الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تراعى نية الحالف في تلفظه بالطلاق

السؤال

زوجي كان غاضبا مني وحلف أنني إذا تناولت حبة من حبوب الحديد، فسأكون طالقا، وكانت علبة الدواء أمامي، وأنا حامل في الشهر السابع وبحاجة لتناوله، فهل يقع الطلاق إذا اشتريت علبة جديدة من حبوب الحديد؟ أم يقع الطلاق على تناول كل حبوب الحديد المتواجدة لدي في المنزل
والتي سأشتريها من الصيدلية عند تناولها؟ وإذا وقع الطلاق عند تناولي حبوب الحديد وأنا بحاجة لتناوله، فهل تكون طلقة واحدة؟ أم أكون طالقا بالثلاث؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالراجح عندنا أنّ المراعى في الأيمان نية الحالف بما تلفظ به، فإن لم تكن له نية؛ فالمرجع إلى السبب الذي حمله على اليمين.

قال ابن عبد البر- رحمه الله: والأصل في هذا الباب مراعاة ما نوى الحالف، فإن لم تكن له نية، نظر إلى بساط قصته ومن أثاره على الحلف، ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته. انتهى من الكافي في فقه أهل المدينة.

وجاء في الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي: واعلم أن البساط يجري في جميع الأيمان، سواء كانت بالله، أو بطلاق، أو بعتق. انتهى.
وقال أبو الخطاب - رحمه الله - في الهداية على مذهب الإمام أحمد: باب جامع الأيمان مما يشترك فيه حكم اليمين بالله تعالى وبالطلاق والعتاق، ويرجع في اليمين إلى النيات، فإن كانت بطلاق أو عتاق دين فيما بينه وبين الله تعالى، وهل يقبل في الحكم؟ على روايتين، فإن لم ينو رجع إلى سبب اليمين وما أثارها، فإن عدم السبب رجع إلى ما تناوله الاسم. انتهى.
وعليه؛ فإن كان زوجك قصد تعليق الطلاق على تناولك الدواء المذكور على وجه العموم، أو كان سبب يمينه يقتضي التعميم؛ فإنّك إذا تناولت واحدة منه ولو من علبة أخرى؛ حنث زوجك في يمينه، وأمّا إذا كانت نيته أو سبب يمينه تقتضي تخصيص يمينه بعلبة الدواء التي كانت أمامه؛ ففي هذه الحال لا يحنث زوجك في يمينه إذا تناولت واحدة من الدواء من علبة أخرى، وإذا حنث زوجك في يمينه؛ فالمفتى به عندنا؛ وقوع الطلاق واحدة؛ سواء قصد إيقاع الطلاق أو قصد التأكيد والتهديد ونحوه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحيث وقع الطلاق ولم يكن مكملا للثلاث؛ فلزوجك مراجعتك في عدتك، وبعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به تعليق الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وانظري الفتوى: 11592.

وما دام في المسألة تفصيل وخلاف بين أهل العلم ـ كما رأيت ـ فنصيحتنا لك أن تعرضي مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بدينهم وعلمهم في بلدك.
وننبه إلى أنّ الحلف المشروع هو الحلف بالله تعالى، وأما الحلف بالطلاق: فهو من أيمان الفساق، وقد يترتب عليه ما لا تحمد عقباه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني