الله أرحم بالعبد من الأم برضيعها

16-6-2005 | إسلام ويب

السؤال:
عمري 30 سنة وأنا حطام، لم أر في حياتي غير الهم، نشأت ضعيفا وجبانا وسخيفا أولا بسبب الوراثة ثم قضيت طفولتي محصورا في بيتنا بسبب الخجل المكبل والخوف من الناس وغباوة الوالدين، لا يعرفون حتى أن يربوا فروجة، في كل مرحلة من عمري وفي كل مكان بدون استثناء ساق لي القدر أناسا كلابا تفطنوا لضعفي وعجزي فجعلوني مسخرة وآذوني وأنا أتألم ثم أتألم مرة أخرى وأنا أرى نفسي أهان ولا أقدر على رد الأذى، أخيرا لما قررت وضع حد لكل هذا أصابني ألم فظيع في الرأس مصحوبا باضطراب نفساني دائما وعودة الذكريات المؤلمة من الماضي فيعجزني الألم عن كل شيء مفيد، الآن أنا لا أصلي لا أشتغل لا أتعلم لا رياضة لا أخرج من المنزل لا أكلم أحدا الألم فظيع، تداويت عند كثير من الأطباء وآخرهم لــ 5 سنوات ولا نتيجة، تداويت بماء زمزم بالدعاء والصلاة بالقرآن بالأعشاب، دعا لي الناس في العمرة ولا شيء، صرت أتمنى من الله أن يأخذ عيني ورجلي ويدي أن يعيشني تحت خط الفقر وفي الزبالة المهم أن يتوقف الألم وهذه الحياة الرخيصة، تمنيت أن أموت وأصير إلى العدم ولا جنة ولا ثواب ولا نعيم، ولم أر شيئا، كل ليلة أتمنى أن لا أفتح عيني مرة أخرى، تنتابني دائما أفكار أن الله لا يباليني باله ولا يهتم لأمري ويمقتني ولا يسمع مني، أنا منهك وتعبان وقرفت من الحياة قرفا شديدا، لا أدري حتى لماذا أكتب إليكم وأنا لم أعد أتوقع شيئا، برغم إيماني الشديد منذ نعومة أظفاري حاولت مرة الانتحار وفشلت مثلما فشلت في كل شيء في حياتي.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله تعالى يراك، وهو مطلع على حالك، ولا يخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء، وهو أرحم بك من الأم برضيعها، ولكنه تعالى يبتلي العباد ببعض الأقدار المؤلمة لحكم يعلمها، ومنها: أن يفزعوا إليه، ويلجؤوا إلى ركنه، قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ {الأنعام:43}، وهو مع ذلك يرفع درجات المؤمنين الصابرين منهم ويكفر عنهم خطاياهم، وإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الأجر من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم!! فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي، وانظر الفتوى رقم: 15197.

ولك في رسل الله تعالى والصالحين من عباده المؤمنين أسوة حسنة، فقد أصيب كثير منهم بأشد البلاء وصبر أجمل الصبر فكان عاقبة ذلك أجمل، ولتعلم أن الله سبحانه قد من عليك بأعظم نعمة، وهي الاهتداء لدين الإسلام الذي لا نجاة في الآخرة إلا لأهله، وما حباك به من نعمة السمع والبصر والكلام والمشي وغير ذلك، فأحسن الظن بربك وثق به.

وحاول أن تخرج من ذكرياتك القديمة المؤلمة بأن تجدد حياتك، وإن كنت قد ابتليت بزملاء دراسة آذوك ولم يراعوا نفسيتك ولم يتقوا الله فيك، فإن بإمكانك اتخاذ أصدقاء جدد يحبونك في الله، ويأنسون بصحبتك وينصحونك بفعل الخيرات، ولن تجد منهم إلا كل احترام وتقدير ورعاية، وهؤلاء القوم الصالحون من القلة والندرة بمكان، ولكنهم موجودون، وهم أصحاب القلوب الكبيرة المطمئنة، المستقيمون على أمر الله، وتجدهم في مواطن الخير كالصفوف الأولى في الصلاة ونحو ذلك، ففتش عنهم، وانتظم في سلكهم، فإن اتخاذ الرفقة الصالحة الجديدة هو من أهم الخطوات في طريق علاجك.

ولقد أخطأت عندما انقطعت عن الصلاة التي هي صلة بينك وبين الله، في حين أنك في أمس الحاجة لعونه سبحانه حتى يرضى عنك ويخرجك من الحالة التي أنت فيها، فتب إلى الله وأد ما افترضه عليك، فإن الحياة بغير الله سراب، والله غني عنا وعن صلاتنا، في حين أننا فقراء إليه، وأحوج شيء إليه سبحانه.

أما الألم البدني الذي تشعر به، فإن له علاجات مع الصبر واليقين والتوكل على الله، ومن أهم هذه العلاجات، تناول العسل وتناول الحبة السوداء، والحجامة، وشرب ماء زمزم بنية الاستشفاء، وكذلك الرقية، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 49953، 13449، 19900، 45335، 19134، 13277، 1796.

وإن من أعظم الأدوية: الدعاء مع الرجاء، فإن الدعاء سلاح المؤمن، وبه تندفع الأقدار المؤلمة، ولكنه لا ينفع العبد إلا إذا استوفى العبد شروط قبوله، ويكون أرجى في الإجابة إذا التزم الداعي آداب الدعاء وتحرى أوقات إجابته الشريفة الفاضلة، وانظر الفتوى رقم: 61490 فإنها تشتمل على فتاوى تبين ما سبق بشأن الدعاء، كما تدلك على أدعية مخصوصة تقال عندما تخشى تسلط شخص معين عليك.

واحذر أن تتمنى أن يبتليك الله بالأمراض، فما يدريك أنك ستصبر، بل اسأل الله العافية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لن تؤتوا شيئاً بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فسلوا الله العافية. رواه النسائي في الكبرى وصححه ابن حبان.

واحذر كذلك أن تتمنى الموت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كان الوفاة خيراً لي. رواه أحمد بإسناد صحيح.

ولا تفكر في الانتحار، ولا تقتل نفسك، فإن عاقبة ذلك وخيمة، وانظر ما يجره الانتحار من البلاء في الفتوى رقم: 12722، وما تفرع عنها من فتاوى، أما والداك، فلا تشتد عليهما ولا تكثر من لومهما، وتأكد يقيناً أنهما لو كانا يحسنان أكثر مما أديا في تربيتك لفعلا، وإن كنت ترى أن ثمت تقصيرا، فلا ينبغي أن تقابله بجفاء معهما، فإن حق الوالد عظيم، وهو يلي حق الله تعالى، وقد تكررت وصاته سبحانه بالوالدين، ومن ذلك قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وإن كانا قد قصرا في حقك كما تزعم، فإن ذلك ليس مسوغاً لك لكي تقصر في حقهما، والله سائل كل امرئ عما أمره به وكلفه إياه، فتب إلى الله من العقوق، وتودد إليهما، واطلب منهما الدعاء، فإن دعوة الوالد لولده مستجابة، وفقك الله لكل خير، وصرف عنك كل شر، وشرح صدرك ونور قلبك وألهمك رشدك.

والله أعلم.

www.islamweb.net