الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الأماكن الضيقة والمصحوب بنوبات من القلق والتوتر

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أعلم كيف أصف حالتي، فبالاختصار الشديد أنا أعاني من حالة لا يعلم بها إلا الله من أمراض نفسية من مدة 10 سنوات تقريباً، وأنا الآن عمري 29 سنة، ولم أتزوج بسبب ما أعاني منه، أخشى المكان الضيق أو المقفل أو أن ينغلق الكهرباء أو الركوب في السيارة، وأشعر بأنني لا أستطيع الخروج منه وأنه يحبس حريتي، فأشعر بضيق وهم وتعرق وإغماء ونبضات في القلب وعدم شعور بالراحة، فأحياناً أحس بأني طبيعية وأحياناً وأنا جالسة أتحدث أو أنصت لأحد أحس فجأة بضيقة في الصدر وهم وتبدأ معي حالة الإغماء.

وأنا الآن أصبحت لا أخرج من المنزل فأنا أجد راحتي فيه، ولكني الآن بدأت أشعر بما كنت أشعر به وأنا حتى في المنزل فضاقت علي الدنيا بما رحبت، فلا أحد من أفراد أسرتي يعلم بما أشعر به طول هذه المدة، ولكن الآن بدأ يظهر علي من تصرفاتي حيث أنهم يطلبون مني الخروج معهم لأي مكان وأنا أرفض وأعتذر بأعذار لا تصدق، فأسأل الله الفرج، وأن أجد دوائي عندكم بعد عون الله، فمن فرج عن أخيه كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

فأنا قرأت على نفسي بالرقية الشرعية وخف علي المرض، ولكنه لم يزل، والآن رجع علي وليس لي طريق في العلاج إلا عن طريق النت، فكل من حولي لا يؤمنون بفكرة العلاج، فقد عرضت على أمي مرة عندما ضاقت علي وقالت: إنه من نفسك والشيطان، وإذا شعرت بشيء ففضفضي لأخواتك ما تشعرين به فليس من يده بالنار كمن يده بالماء، فأنا الآن فقدت التركيز في كل شيء حتى في الصلاة، فإذا أردت أن أركز على قراءتي فيها يصدّع رأسي، وكثر نسياني، وأهلي دائماً يعاتبونني على نسياني فلا حول لي ولا قوة إلا بالله، فالذهاب إلى طبيب هذا مستحيل.

فأرجو أن أجد عندكم خطة علاجية دوائية وسلوكية أو معرفية ترسل لي على بريدي لأتمكن من التغلب على ما أنا فيه، فأرى أن حالي يزداد سوءاً والقلق يلاحقني في كل وقت، وأنا حبيسة المنزل، أرجو الرد على رسالتي بسرعة، فهل أجد عندكم علاجاً؟ وسأحاول أن أطبق العلاج حرفياً إذا ساعدتموني بإذن الله، أو أسلم أمري إلى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، والأمر لله من قبل ومن بعد. جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Qassi3M3 حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

كما وصفت في رسالتك، فأنت تُعانين مما يُعرف بمخاوف الأماكن الضيقة، مصحوبة بنوباتٍ من القلق والتوتر، ومخاوف الأماكن الضيقة هو أحد المخاوف الخاصة المعروفة، ويقابله الخوف من الأماكن المنفتحة كالأسواق والتجمعات وخلافه.

أرجو أن أؤكد لكِ تماماً أن هذه الحالة يمكن علاجها، والعلاج يتكون من الشق السلوكي المعرفي والشق الآخر هو الدوائي .

بالنسبة للعلاج السلوكي المعرفي، يقوم على مبدأ أن يتعرض الإنسان لمصدر ومكان الخوف، وهذا ربما يتهيأ لك أنه ليس بالسهولة، ولكن صدقيني أن البدايات قد تكون صعبة بنسبةٍ ما، لكن بالاستمرار سوف تجدين بإذن الله أن الأمور أصبحت سهلة جداً.

فابدئي أولاً بكتابة كل أنواع المخاوف التي تُعانين منها، ثم بعد ذلك تتخيلي أنك في مواجهة أو أنك قد تُركت في ذلك الموقف أو الموقع أو المكان الذي تحسين فيه بالخوف لمدةٍ لا تقل عن نصف ساعة، وأرجو أن تركزي في هذا الخيال بدقة وبعمق.

يكرر هذا التمرين بصفةٍ يومية، وحبذا لو كرر مرتين في اليوم، ويجب أن يصاحب هذا التمرين في الخيال بالتطبيق العملي، ويمكنك أن تبدئي بأقل المخاوف، ثم بعد ذلك تكون المواجهة بالتدرج، أي من الخفيفة إلى الشديدة، وهنالك فرصة طيبة لك للتخلص من هذه المخاوف، وهي الخروج مع الأهل حين يطلبوا منك ذلك، فمن المعروف أن الإنسان إذا تعرض لمصدر خوفه في صحبة الآخرين تكون نسبة الخوف أقل، هذا مثبت تماماً من الناحية العلمية والعملية، فأرجو وأكرر أن لا تفوتي هذه الفرص، وأن تستغلي أهلك كمساعدين لك في العلاج .

الجانب الآخر هو عليك أن تقصدي الخروج إلى هذه الأماكن حتى وإن لم يكن ذلك مع الأهل إذا سمحت الظروف بذلك، وحين تكوني في هذه المواقف عليك أن تأخذي نفساً عميقاً وبطيئاً، وتكرري ذلك مرتين أو ثلاث.

هذا إن شاء الله سوف يسهل لك كثيراً ً، وقد أثبتت هذه التمارين النفسية جدواها بصورةٍ فعالة.

الشق الآخر في العلاج هو الأدوية النفسية، وهنالك دوائين أو ثلاثة تُعتبر من الأدوية الممتازة المضادة للمخاوف وإن كانت في الأصل هي أدوية مضادة للاكتئاب، والدواء الذي سوف أصفه لك يعرف باسم زيروكسات، وهو شائع الاستعمال، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة ليلاً بعد الأكل، وتستمري على هذه الجرعة الصغيرة كبداية لمدة أسبوعين، ثم ترفعي هذه الجرعة بمعدل نصف حبة كل أسبوعين أيضاً حتى تصلي إلى الجرعة العلاجية وهي حبتين في اليوم، وتستمري عليها لمدة ستة أشهر متواصلة، بعدها تبدئي في تخفيض الدواء بمعدل نصف حبة كل أسبوعين أيضاً ثم تتوقفين عنه .

هذا الدواء ممتاز وقليل الآثار الجانبية، وهو سليمٌ جداً، وكما ذكرت مسبقاً أثبت فعاليته الشديدة في علاج المخاوف وحتى القلق المصاحب وعسر المزاج.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً