الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من تفاوت الناس في البلاء

السؤال

هل كل الناس متساوون في الابتلاء؟ فإننا نجد أن الله تعالى يبتلي شخصًا بالمال فترة معينة، وفترة بالصحة، وشخصًا آخر بالأولاد -كأن يكونوا مرضى-، وعندما ينتهي ذلك الابتلاء يبتليه الله أيضًا بشيء آخر، كالفقر، والناس مختلفون في القدرات، فهل معنى ذلك أن يكون الابتلاء مختلفًا؟ وهل هذا يعني أن الشخص المصاب بالسرطان مثل الفقير، عندما يكونون في نفس درجة الإيمان؟ فلو كانوا متساوين في الإيمان، فهل يكون عندهم نفس شدة الابتلاء باختلاف نوعه؛ حسب قدراتهم التي وهبها الله لهم؟ وإن كان ذلك صحيحًا؛ فإننا نجد من هم مشردون وفقراء، وليس لديهم قوت يومهم، بل بعضهم مصاب في صحته، فهل يعني ذلك أن هؤلاء متساوون في الشدة مع شخص تعرّض لمرض السرطان أو الاكتئاب؟ وكيف ذلك، والله يسأل شخصًا غمس في الجنة غمسة، فيقول الله له: عبدي، هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: بعزتك وجلالك، إني في النعيم منذ أن خلقتني؟ إن الله سبحانه وتعالى منزّه عن الظلم، ولكنني أريدكم أن تفيدوني: كيف وضع الله الاختبار لأهل الأرض؟ وهل سيبتليني الله بالخير كما ابتلاني بالشر -فإذا رأيت 20 سنة من الشر، فهل سأرى 20 سنة من الخير-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالله تعالى حكيم، يضع الأشياء في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وهو سبحانه لا يُسأَل عما يفعل؛ وذلك لكمال حكمته وعدله؛ فعليك أن تفوّض أمورك إلى الله تعالى، وأن تشغل نفسك بما يعنيك، ولا تشغل نفسك بما لا يعنيك؛ من كيفية جريان أفعال الرب تعالى، وأقضيته على الخلق.

وحسبك أن تؤمن بأنه حكيم، وأنه عدل لا يظلم الناس شيئًا -سبحانه وبحمده-، وهو سبحانه يبتلي من شاء بما شاء من خير أو شر؛ لما له في ذلك من الحكمة.

ولا يلزم أن يستوي الناس في ابتلائهم، ولا أن تستوي مدة ابتلائهم بالخير والشر، بل كل ذلك راجع إلى محض حكمته تعالى، والتي تعجز عقول البشر القاصرة عن إدراك كنهها.

ومن ثَمَّ؛ فعلى المؤمن أن يعنى بما يعود عليه بالنفع، وذلك أنه بين نعمة تستوجب الشكر، وبلية تستوجب الصبر: فعليه إذا أنعم عليه أن يجتهد في توفية هذا المقام حقه بالشكر؛ لينجح في الابتلاء بفتنة السراء. وإذا ابتلي بالضراء، فعليه أن يوفي هذا المقام حقه بالصبر؛ لينجح في الابتلاء في فتنة الضراء، كما قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.

فلا تشغل نفسك بالأسئلة التي لا تعنيك إجابتها، كتلك الأسئلة: من يبتليه الله؟ وكيف يبتليه؟ وعلى أي أساس يحصل هذا الابتلاء؟ بل فوّض الأمر إلى الله سبحانه، مؤمنًا بحكمته التامة البالغة، مشتغلًا بما يعنيك من إقامة واجب العبودية في جميع حالاتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني