الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الحزن والخوف من عدم حصول الزواج من سوء الظن بالله؟

السؤال

أنا فتاة تأخر زواجها، جاءني منذ سنتين شاب طيب، فرفضتُه، لأنه كانت لدي شروط متعلقة بالالتزام الديني، والثقافة، والتوافق، وغيرها، كما أنني لم أرتح له كثيرًا؛ وكنت أخاف أن يفشل الزواج، لأن أغلب الزواج -إن لم يكن كله- في محيطي فاشل تمامًا، وكنت أود اختيار شخص مناسب، كي أبني معه أسرة صالحة، وأعترف أيضًا أنني لم أكن مستعدة للزواج حينها، حيث كانت له صورة وردية غير واقعية في عقلي.
والآن بدأت أشعر بالندم، لأني رفضته، وللأسف من الصعب إيجاد شخص ملتزم كما يجب هذه الأيام، وأخشى أن يعاقبني الله؛ لأنني فرطت في هذه الفرصة، علمًا بأن فُرَصًا أخرى قد جاءت لكنها لم تنجح، وأشعر بخوف شديد، وحزن يعتصر قلبي.
فهل خوفي هذا من سوء الظن بالله؟ وهل اختياري وجهلي آنذاك كانا خطأً يستوجب غضب الله؟ أم هو قضاء وقدر، وعليَّ التسليم به؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا حرج عليكِ في رد الخاطب، وإن كان صاحب دين وخلق، لفقده بعض الصفات الأخرى التي ترغبين فيها، فما ورد من الحث على قبول الخاطب صاحب الدين والخلق ليس على سبيل الوجوب، بل هو من قبيل الندب.

روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض.

قال المناوي في فيض القدير: فزوجوه، ندبًا مؤكدًا. انتهى.

والله -عز وجل- لا يعاقب على ترك المندوب، ولا يستوجب ذلك غضب الله على صاحبه، ولا حرج على المرأة في أن تطلب في الزوج الصفات الطيبة التي تتوقع أن تدوم معها العشرة، ولا شك في أن كل شيء كائن في هذا الكون بتقدير الله -تعالى-، قال سبحانه: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر: 49}.

ولا تلتفتي إلى ما مضى، فإن حاول الشيطان أن يدخل عليك الندم والحزن على ما مضى، فقولي: قدر الله، وما شاء فعل.

ففي الإيمان بالقدر تسلية للنفس، قال الله سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ {الحديد 22: 23}.

والخوف من عدم مجيء الخُطَّاب ليس من سوء الظن بالله، إذا لم يترتب عليه اليأس من رحمته.

قال ابن القيم في مدارج السالكين، وهو يتكلم عن منزلة الأدب: فصل قال: وهو على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: منع الخوف: أن لا يتعدى إلى اليأس..... يريد: أنه لا يدع الخوف يفضي به إلى حد يوقعه في القنوط، واليأس من رحمة الله، فإن هذا الخوف مذموم... انتهى.

وكما أسلفنا لا تلتفتي إلى الماضي، بل عليك باستشراف المستقبل، وكثرة الدعاء، والتضرع إلى الله، وإحسان الظن به؛ فإنه مجيب الدعاء، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة: 186}.

والزواج نوع من الرزق سيأتيكِ ما كتب لكِ منه، ونود أن ننبه في الختام إلى أن المرأة إذا لم تجد من الخُطَّاب من فيه كثير من الصفات التي ترغب فيها -بما في ذلك أمر الدين والخلق-، فعليها أن تسدد وتقارب، فترتضي من كان ديِّنا في الجملة بأن يكون محافظًا على الفرائض، وخاصة الصلاة، ومجتنبًا للكبائر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني