الفصل الخامس
المشاركة في الإصلاح المجتمعي والسياسي
المبحث الأول
المسؤولية المجتمعية عن التعاون في الإصلاح
- المطلب الأول: حاجة المشروع إلى كثرة المصلحين:
الإصلاح عملية واسعة تحتاج إلى كل سبب من أجل نجاحها، وأسباب الإصلاح تتوزع على الأفراد، فكل فيه ما ليس في غيره، وفي غيره ما ليس فيه، ولا يقبل أن يعتز إنسان بما لديه من إمكانات وقدرات اعتزازا يصل به إلى تعرية الآخرين، وتهميش قدراتهم، وإقصاء مواهبهم وملكاتهم.
ولا يقبل أيضا الادعاء بالعجز وعدم القدرة على العطاء، فكل إنسان عنده القدرة ولديه من المواهب والإمكانات ما يفي بحاجة ويسد ثغرة، والمهم أن تكون لديه الرغبة في سد الثغرة، فعندها تخرج منه العجائب، وتظهر منه المواهب.
فالإصلاح يحتاج إلى جميع الطاقات والإمكانات، ويوظف فيه كل جهد في مكانه وكل عمل في إطاره، وحتى من كانت لديه قدرة واعتقد فيها الإفلاس، فإن الإسلام يهذبها ويوظفها فيما فيه سد الحاجات، ومن أبرز [ ص: 171 ] الأدلة على ذلك صفوان بن المعطل [1] صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي الجليل الذي كان معروفا بطول النوم [2] ، فكلفه النبي صلى الله عليه وسلم بمهمة كبيرة وهي الإتيان بما يسقط من الجيش من أدوات.
فلا يقبل في طريق الإصلاح إقصـاء طاقة أو الإلهاء عنها، أو تهميشها أو تفريغ شخصية صاحبها، وأهل الحكمة ينظرون في كل شخصية قد يستخرجون منها ما ليس في حسبانها من سد الحاجات. ولذلك عنيت "رسائل الإصلاح" بكم المصلحين، وأيضا بالكيف. فالكم والكيف مطلوبان من أجل الإصلاح.
فدائرة الإصلاح واسعة، وكل له حق المشاركة فيه، وليس طريق الإصلاح ينفرد به النخبة، أو تسيطر عليه الصفوة، وليس الإصلاح تحتكره مجموعة بعينها تعطي لنفسها وحدها حق الدفاع عن الإسلام وإحياء مضامينه، إنـما الإصـلاح واجب على كل مسـلم، على حسب طاقته، وبما يتقنه من أمر، فدائرة الإصلاح تتسع لأبناء الأمة جميعا بلا استثناء.
فالإصلاح الشمولي في العالم الإسلامي هو ما ينبغي أن يكون في تفكير المصلح فيجمع في الإصلاح بين أقطار العالم الإسلامي كله، ويربط بينها، ويرمي بالمسؤولية على كل عامل، ويعلق القضية برقبة كل مسلم في الأمة. [ ص: 172 ]