الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في كيفية دفع الآبق والدواب والثياب إلى مدعيها وواصفها]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حبس الآبق ثم أتى رجل فادعاه ووصفه هل يدفع إليه بالصفة من غير بينة؟ فقال ابن القاسم: يتلوم له في ذلك، فإن لم يأت من يطلبه [ ص: 3219 ] دفعه إليه وضمنه . وقال أشهب: لا يأخذه بالصفة. وإليه رجع سحنون، وقال: لا يدفع إلا ببينة طال مقامه أو لم يطل .

                                                                                                                                                                                        وإن اعترف لغيره بالرق كان لمن اعترف له بالرق دون من وصفه قولا واحدا، وإن اعترف لغائب كتب إليه، فإن ادعاه كان أحق به.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا أنكر العبد هذا المدعي ولم يقر لغيره وهو يقر بالعبودية، أو قال: أنا حر، وهو معروف بالرق، هل يكون لمن ادعاه؟ فأما الصفة فأرى أن يدفع إليه إذا وصف صفة تخفى وليست بظاهرة.

                                                                                                                                                                                        وكذلك الدواب تدعى فإنه يختلف فيها هل تدفع بالصفة من غير بينة; لأنها مما يتصرف بها ويظهر صفتها؟ وأما الثياب فدفعها بالصفة أبين، والصفة فيها كالعفاص والوكاء في الدنانير. قال ابن القاسم في المتاع يسرق بمكة فيدعيه رجل ويصفه: يدفع إليه، وإن لم تكن بينة.

                                                                                                                                                                                        واختلف في استحقاقه بشهادة البينة على الصفة، وفي رجوع المستحق من يده على بائعه بالشهادة على الصفة أنه استحق من يده عبد على صفة كذا.

                                                                                                                                                                                        فأجازه ابن القاسم في الوجهين جميعا; فقال فيمن أتى يدعي عبدا بكتاب قاض أنه أبق له عبد على صفة كذا وشهادة الشهود فيه على الصفة: إنه يقضى له به . وإن استحق عبد من يد رجل بشهادة بينة عرفت أنه ملكه، فأتى [ ص: 3220 ] المستحق من يده بكتاب القاضي باستحقاقه ومعه العبد موافق لصفة الكتاب، أو ليس معه العبد: قضي له بالثمن على البائع .

                                                                                                                                                                                        وخالف ابن كنانة في استحقاقه بالشهادة على الصفة، فقال فيمن أبق له غلام من مصر إلى الأندلس، فأتى بكتاب من قاضي مصر على الصفة أنه أبق له عبد ونعته ووصفه، وأثبت الكتاب عند قاضي الأندلس، فأنكر العبد أن يكون هذا سيده: فلا يأخذه بذلك إن ادعى العبد الحرية أو كان في يد من يدعيه لنفسه. وأجاز ذلك إذا اعترف له العبد .

                                                                                                                                                                                        ومنع ذلك أشهب إذا أتى به المستحق من يده ومعه صفة موافقة لما في كتاب القاضي، إلا أن تشهد البينة أنه العبد الذي في الحكم، وأجاز المستحق بالبينة على الصفة، وفرق بين الموضعين; لأن الشهادة على الصفة إنما تجوز للضرورة، وهؤلاء الذين شهدوا على حكم القاضي قادرون على أن يشهدوا على عينه، وإذا كان العبد غائبا قبلت الشهادة ها هنا على الصفة; لأنها ضرورة لا يقدر على غير ذلك.

                                                                                                                                                                                        وأرى إذا أغفل القاضي أن يشهدهم على عين العبد حتى خرجوا وبعدوا أن تقبل الشهادة على الصفة وتصير ضرورة. واختلف هل يطبع في عنق العبد، والطبع أحسن.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية