الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في اجتماع الحدود

                                                                                                                                                                                        وإذا شرب الخمر مرارا حد لجميع ذلك حدا واحدا، وكذلك إذا زنى، ثم زنى، فإنه يحد حدا واحدا كان ذلك بامرأة واحدة أو بجماعة نساء، وكذلك إذا افترى ثم افترى، وكل ذلك لرجل واحد، فحد واحد يجزئه عن ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قذف جماعة هل يحد حدا واحدا، أو لكل واحد منهم حد؟ ومثله إذا قذف وشرب خمرا، فإنه يختلف فيه هل يحد حدا واحدا، أو لكل صنف حد؟ وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب القذف.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قذف وزنى، أو شرب وزنى، فقال مالك وابن القاسم: يحد حدين مائة للزنى، وثمانين للقذف . وقال عبد الملك بن الماجشون: يحد مائة للزنى ، والفرية والشرب يدخلان في حد الزنى.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن; لأنهما حقان وجنسان، فيجب أن يقاما جميعا، وإن سرق وقطع يمين رجل- قطع للسرقة، تقدمت السرقة أو تأخرت; لأنه قد اجتمع في اليد القطع من وجهين، والقطع عن السرقة يسقط حق الآخر، وهو بمنزلة [ ص: 6214 ] من قطع ثم قتل، فإن القتل يجزئ عن جميع ذلك، ولا يكون لأحد الأولياء مقال ولا دية، ولأنه لو قطع يمين رجل ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من الله عز وجل -لم يكن للمقطوعة يده شيء، وإن قطع يمين رجل من دون الرسغ، ثم سرق قطع للسرقة من الرسغ، وسقط مقال الآخر، وإن قطع يمين رجل من المرفق وسرق- قطع من المرفق، ودخل فيه القطع للسرقة; لأن المراد في القطع للسرقة أن يكون بين الناس ممثلا به، نكالا، ذاهب العضو، وليس المراد أن يألم بالقطع، وإن سرق وحارب ورأى الإمام قطعه في الحرابة- دخل قطع السرقة في قطع الحرابة، وإن رأى نفيه- أقام عليه الحدين جميعا، فقطعه للسرقة، وضربه ونفاه للحرابة، وإن رأى قتله- لم يقطع للسرقة، وإن سرق وقتل لعداوة أو لحرابة -قتل، ولم يقطع للسرقة .

                                                                                                                                                                                        قال محمد: وإن اجتمع زنى وحرابة، فإن كان ثيبا رجم وكان ذلك للحدين جميعا، وإن كان بكرا قتل بالسيف . [ ص: 6215 ]

                                                                                                                                                                                        يريد: إذا رأى الإمام قتله للحرابة، وإن رأى قطعه أو نفيه- أقام عليه الحدين جميعا، فيجلد مائة للزنى، ويقطع أو ينفى للحرابة.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ - رضي الله عنه - : ولو قتل رجلا وزنى وهو محصن، رجم، ويسقط مقال أولياء المقتول، وإن كان غير محصن- قتل للقصاص، ولم يجلد للزنى.

                                                                                                                                                                                        ولو قتل رجلا لعداوة وآخر في حرابة أو غيلة، قتل للحرابة وللغيلة، ولم يكن لأولياء المقتول مقال في عفو ولا دية.

                                                                                                                                                                                        وإن زنى وهو محصن أو قتل في حرابة وافترى على رجل، حد للفرية، ليدفع عنه معرة القذف، ثم قتل. وإن قطع يمين رجل، قتل للحرابة، ولم يقطع ، هذا قول ابن القاسم .

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يقطع ثم يقتل، ليشتفي بالقطع من قطعت يمينه .

                                                                                                                                                                                        وإن زنى وهو بكر، ثم زنى وهو محصن- رجم ولم يجلد، وهو قول ابن القاسم. والقياس أن يجلد ثم يرجم; لأن الغرض الأول أن يؤلم بالضرب، وهو جنس غير الآخر، فيقام عليه ثم يرجم، وقال الشافعي وأبو حنيفة: إذا قطع يد رجل وقتل آخر أنه يقطع لصاحب اليد ثم يقتل بالنفس . [ ص: 6216 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية