فصل
قال الرازي: " للكرامية في إثبات كونه تعالى في الجهة. قالوا: ثبت أنه تعالى تجوز رؤيته، والرؤية تقتضي مواجهة المرئي أو مواجهة شيء هو في حكم مقابلته، وذلك يقتضي كونه تعالى مخصوصا بجهة". قال: " والجواب: اعلم أن الشبهة الثالثة المعتزلة والكرامية توافقوا على أن كل مرئي لا بد وأن يكون في جهة إلا أن المعتزلة قالوا: لكنه ليس في الجهة، فوجب أن لا يكون مرئيا. والكرامية قالوا: لكنه مرئي فوجب أن يكون في الجهة، وأصحابنا نازعوا في هذه المقدمة، وقالوا: لا نسلم أن كل مرئي فإنه مختص بالجهة، بل لا نزاع في أن الأمر في الشاهد كذلك، فلم قلتم إن كل ما كان كذلك في الشاهد وجب أن يكون في الغائب كذلك؟
وتقريره أن هذه المقدمة إما أن تكون مقدمة بديهية أو استدلالية، فإن كانت بديهية لم يكن في إثبات كونه تعالى مختصا بالجهة حاجة إلى هذا الدليل، وذلك لأنه ثبت في الشاهد أن كل قائم بالنفس مختص بالجهة، وثبت أن الباري جل وتعالى قائم بالنفس، فوجب القطع بأنه تعالى مختص بالجهة، لأن العلم الضروري حاصل بأن كل ما ثبت في الشاهد [ ص: 399 ] وجب أن يكون في الغائب كذلك. فإذا كان هذا الوجه حاصلا في إثبات كونه تعالى في الجهة كان إثبات كونه في الجهة بكونه مرئيا، ثم إثبات أن كل ما كان مرئيا فهو مختص بالجهة تطويل من غير فائدة ومن غير مزيد شرح وبيان.