[ ص: 18 ] ثم دخلت سنة إحدى وستين وأربعمائة
في ليلة النصف من شعبان من هذه السنة كان دمشق وكان سببه أن غلمان حريق جامع الفاطميين والعباسيين اختصموا فيما بينهم فألقيت نار بدار الملك - وهي الخضراء المتاخمة للجامع من جهة القبلة - فاحترقت ، وسرى حريقها إلى الجامع فسقطت سقوفه وتناثرت فصوصه المذهبة التي على جدرانه ، وتقلعت الفسيفساء التي كانت في أرضه وعلى جدرانه ، وتغيرت معالمه ومحاسنة وتبدلت بهجته بضدها ، وقد كانت سقوفه مذهبة مبطنة كلها والجملونات من فوقها ، وجدرانه بالفصوص المذهبة الملونة ، مصور فيها جميع بلاد الدنيا ; الكعبة ومكة في المحراب ، والبلاد كلها شرقا وغربا ، كل في مكانه اللائق به ومصور فيه كل شجرة مثمرة وغير مثمرة مشكل مصور في بلدانه وأوطانه ، والستور مرخاة على أبوابه النافذة إلى الصحن وعلى أصول الحيطان إلى مقدار الثلث منها وباقي الجدران بالفصوص الملونة ، وأرضه كلها بالفصوص ; الرخام والفسيفساء ولم يكن في الدنيا بناء أحسن منه ، لا قصور الملوك ولا دور الخلافة فضلا عن غيرهم ، ثم لما وقع هذا الحريق فيه تبدل الحال الكامل بضده ، وصارت أرضه طينا في زمن الشتاء ، وغبارا في زمن الصيف ، محفورة [ ص: 19 ] مهجورة ، ولم يزل كذلك حتى بلط أرضه في زمن العادل أبي بكر بن أيوب ، بعد الستمائة سنة من الهجرة ، وكان جميع ما سقط منه من الرخام وغيره من الأخشاب مودعا في المشاهد الأربعة ، شرقية وغربية ، حتى فرغها من ذلك القاضي كمال الدين الشهرزوري ، في زمن الملك العادل حين ولاه نظره مع القضاء ونظر الأوقاف كلها ، ونظر دار الضرب وغير ذلك ، ولم تزل الملوك تجدد في محاسنه إلى زماننا هذا ، فتقارب حاله في زمن الأمير نور الدين محمود بن زنكي سيف الدين تنكز بن عبد الله الناصري نائب الشام أثابه الله تعالى . وقد أرخ الشيخ في المنتظم هذا الحريق في سنة ثمان وخمسين وتبعه أبو الفرج بن الجوزي ابن الساعي في تاريخه والصواب أنه في هذه السنة كما ذكره ابن الساعي أيضا في هذه السنة وشيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي مؤرخ الإسلام في تاريخه وغير واحد والله أعلم .
وفيها نقمت الحنابلة على الشيخ وهو من كبرائهم بتردده إلى أبي الوفا بن عقيل أبي علي بن الوليد المتكلم المعتزلي واتهموه بالاعتزال ، ولا شك أنه لم يكن يتردد إليه إلا ليحيط علما بمذهبه ، ولكن سرقه الهوى وصارت فيه نزعة منه ، وجرت بينه وبينهم فتنة طويلة وتأذى بسببها جماعة منهم ، وما سكنت الفتنة إلى سنة خمس وستين ثم اصطلحوا فيما بينهم بعد اختصام كثير .
وفيها زادت دجلة على إحدى وعشرين ذراعا حتى دخلت مشهد أبي حنيفة ومشهد النذور . وفيها ورد الخبر بأن الأفشين دخل بلاد الروم حتى [ ص: 20 ] انتهى إلى عمورية فقتل خلقا وغنم أموالا كثيرة . وفيها كان رخص عظيم في الكوفة حتى بيع السمك كل أربعين رطلا بحبة .
وحج بالناس أبو الغنائم العلوي .