قال : ولم يفلت من أهل بيت الحسين سوى ولده علي الأصغر ، فالحسينية من ذريته ، كان مريضا . وحسن بن حسن بن علي وله ذرية ، وأخوه عمرو ، ولا عقب له ، والقاسم بن عبد الله بن جعفر ، ومحمد بن عقيل ، فقدم بهم وبزينب وفاطمة بنتي علي ، وفاطمة وسكينة بنتي الحسين ، وزوجته الرباب الكلبية والدة سكينة ، وأم محمد بنت الحسن بن علي ، وعبيد وإماء لهم .
قال : وأخذ ثقل الحسين ، وأخذ رجل حلي فاطمة بنت الحسين ، وبكى ؛ فقالت : لم تبكي ؟ فقال : أأسلب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبكي ؟ قالت : فدعه ، قال : أخاف أن يأخذه غيري .
وأقبل عمر بن سعد ، فقال : ما رجع رجل إلى أهله بشر مما رجعت به ، أطعت ابن زياد ، وعصيت الله ، وقطعت الرحم . وورد البشير على يزيد ؛ فلما أخبره ، دمعت عيناه ، وقال : كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين . وقالت سكينة : يا يزيد ؛ أبنات رسول الله سبايا ؟ قال : يا بنت أخي هو والله علي أشد منه عليك ، أقسمت ولو أن بين ابن زياد وبين حسين قرابة ما أقدم عليه ، ولكن فرقت بينه وبينه سمية ، فرحم الله حسينا ، عجل عليه ابن زياد ، أما والله لو كنت صاحبه ، ثم لم أقدر على دفع القتل عنه إلا بنقص بعض عمري ، لأحببت أن أدفعه عنه ، ولوددت أن أتيت به سلما .
ثم أقبل على علي بن الحسين ، فقال : أبوك قطع رحمي ، ونازعني سلطاني . فقام رجل ، فقال : إن سباءهم لنا حلال . قال علي : كذبت إلا أن تخرج من ملتنا . فأطرق يزيد ، وأمر بالنساء ، فأدخلن على نسائه ، وأمر [ ص: 304 ] نساء آل أبي سفيان ، فأقمن المأتم على الحسين ثلاثة أيام ، إلى أن قال : وبكت أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر ، فقال يزيد وهو زوجها : حق لها أن تعول على كبير قريش وسيدها .
جرير بن حازم ، عن الزبير بن الخريت ، سمع يقول : لقيت الفرزدق الحسين بذات عرق ، فقال : ما ترى أهل الكوفة صانعين معي ؟ فإن معي حملا من كتبهم ؛ قلت : يخذلونك ، فلا تذهب .
وكتب يزيد إلى ابن عباس يذكر له خروج الحسين ، ويقول : نحسب أنه جاءه رجال من المشرق ، فمنوه الخلافة ، وعندك منهم خبره ، فإن فعل ، فقد قطع القرابة والرحم ، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعي في الفرقة .
فكتب إليه ابن عباس : إني لأرجو أن لا يكون خروجه لأمر تكره ، ولست أدع النصيحة له .
وبعث حسين إلى المدينة ، فلحق به من خف من بني عبد المطلب ؛ وهم تسعة عشر رجلا ، ونساء ، وصبيان ، وتبعهم أخوه محمد ، فأدركه بمكة وأعلمه أن الخروج يومه هذا ليس برأي ، فأبى ، فمنع محمد ولده ، فوجد عليه الحسين ، وقال : ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه! .
وبعث أهل العراق رسلا وكتبا إليه ، فسار في آله ، وفي ستين شيخا من أهل الكوفة في عشر ذي الحجة .
فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه : أما بعد : فإن الحسين قد توجه إليك ، وتالله ما أحد يسلمه الله أحب إلينا من الحسين ، فإياك أن تهيج على نفسك ما لا يسده شيء . [ ص: 305 ]
وكتب إليه عمرو بن سعيد الأشدق : أما بعد ؛ فقد توجه إليك الحسين ، وفي مثلها تعتق أو تسترق .
الزبير : حدثنا محمد بن الضحاك ، عن أبيه قال : خرج الحسين ، فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه إن حسينا صائر إلى الكوفة ، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وأنت من بين العمال ، وعندها تعتق ، أو تعود عبدا . فقتله ابن زياد ، وبعث برأسه إليه .
ابن عيينة : حدثني أعرابي يقال له : بجير من أهل الثعلبية له مائة وست عشرة سنة . قال : مر الحسين وأنا غلام ، وكان في قلة من الناس ، فقال له أخي : يا ابن بنت رسول الله ! أراك في قلة من الناس ، فقال بالسوط - وأشار إلى حقيبة الرحل - : هذه خلفي مملوءة كتبا .
ابن عيينة : حدثنا ، عن رجل من قومه قال : كنت في الجيش الذين جهزهم شهاب بن خراش عبيد الله بن زياد إلى الحسين ، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم ، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين ، فلقيته ، فقلت : السلام عليك يا أبا عبد الله ، قال : وعليك السلام . وكانت فيه غنة .
قال شهاب : فحدثت به زيد بن علي ، فأعجبه ؛ وكانت فيه غنة .