يظهر لطالب العلم في هذه الآية سؤال : وهو أن قوله : فهي خاوية على عروشها يدل على تهدم أبنية أهلها ، وسقوطها وقوله : وقصر مشيد يدل على بقاء أبنيتها قائمة مشيدة .
قال مقيده - عفا الله عنه وغفر له - : الظاهر لي في جواب هذا السؤال : أن قصور القرى التي أهلكها الله ، وقت نزول هذه الآية منها ما هو متهدم كما دل عليه قوله : فهي خاوية على عروشها ومنها ما هو قائم باق على بنائه ، كما دل عليه قوله تعالى : وقصر مشيد وإنما استظهرنا هذا الجمع ; لأن القرآن دل عليه ، وخير ما يفسر به القرآن [ ص: 271 ] القرآن ، وذلك في قوله - جل وعلا - في سورة هود : ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد [ 11 \ 100 ] فصرح في هذه الآية بأن منها قائما ، ومنها حصيدا .
وأظهر الأقوال وأجراها على ظاهر القرآن : أن القائم هو الذي لم يتهدم ، والحصيد هو الذي تهدم وتفرقت أنقاضه ، ونظيره من كلام العرب قوله :
والناس في قسم المنية بينهم كالزرع منه قائم وحصيد
وفي معنى القائم والحصيد ، أقوال أخر غير ما ذكرنا ، ولكن ما ذكرنا هو أظهرها ، وذكر ما يفهم منه وجه آخر للجمع ، وهو أن معنى قوله : " خاوية " : خالية من أهلها من قوله : خوى المكان إذا خلا من أهله ، وأن معنى : " على عروشها " : أن الأبنية باقية أي : هي خالية من أهلها مع بقاء عروشها قائمة على حيطانها ، وما ذكرناه أولا هو الصواب إن شاء الله تعالى . الزمخشري
وقد دلت هذه الآية الكريمة وأمثالها في القرآن : أن لفظ القرية يطلق تارة على نفس الأبنية ، وتارة على أهلها الساكنين بها ، فالإهلاك في قوله : أهلكناها ، والظلم في قوله : وهي ظالمة : يراد به أهلها الساكنون بها وقوله : فهي خاوية على عروشها يراد به الأبنية كما قال في آية : واسأل القرية التي كنا فيها [ 12 \ 82 ] وقال في أخرى : حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها [ 18 \ 77 ] .
وقد بينا في رسالتنا المسماة منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز : أن ما يسميه البلاغيون مجاز النقص ، ومجاز الزيادة ، ليس بمجاز حتى عند جمهور القائلين بالمجاز من الأصوليين ، وأقمنا الدليل على ذلك ، وقرأ هذا الحرف ابن كثير : وكائن بألف بعد الكاف ، وبعد الألف همزة مكسورة ، فنون ساكنة وقرأه الباقون : وكأين بهمزة مفتوحة بعد الكاف بعدها ياء مكسورة مشددة فنون ساكنة ، ومعنى القراءتين واحد ، فهما لغتان فصيحتان ، وقراءتان سبعيتان صحيحتان .
وأبو عمرو يقف على الياء ، والباقون يقفون على النون ، وقرأ أبو عمرو : " أهلكتها " بتاء المتكلم المضمومة بعد الكاف من غير ألف ، والباقون بنون مفتوحة بعد الكاف ، وبعد النون ألف ، والمراد بصيغة الجمع ، على قراءة الجمهور التعظيم ، كما هو واضح ، وقرأ ورش والسوسي و ( بير ) بإبدال الهمزة ياء والباقون بالهمزة الساكنة .