سورة المرسلات .
بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى : ( والمرسلات عرفا ( 1 ) فالعاصفات عصفا ( 2 ) والناشرات نشرا ( 3 ) فالفارقات فرقا ( 4 ) فالملقيات ذكرا ( 5 ) عذرا أو نذرا ( 6 ) ) .
الواو الأولى للقسم ، وما بعدها للعطف ؛ ولذلك جاءت الفاء . و ( عرفا ) : مصدر في موضع الحال ؛ أي متتابعة ، يعني الريح .
وقيل : المراد الملائكة فيكون التقدير : بالعرف أو للعرف .
و ( عصفا ) : مصدر مؤكد . و ( ذكرا ) : مفعول به .
وفي ( عذرا أو نذرا ) وجهان : أحدهما : هما مصدران يسكن أوسطهما ويضم .
[ ص: 484 ] والثاني : هما جمع عذير ونذير ؛ فعلى الأول ينتصبان على المفعول له ، أو على البدل من " ذكرا " أو بذكرا . وعلى الثاني هما حالان من الضمير في " الملقيات " أي معذرين ومنذرين .
قال تعالى : ( إنما توعدون لواقع ( 7 ) ) .
قوله تعالى : ( إنما ) : " ما " هاهنا : بمعنى الذي ، والخبر " لواقع " ولا تكون " ما " مصدرية هنا ولا كافة .
قال تعالى : ( فإذا النجوم طمست ( 8 ) ) .
قوله تعالى : ( فإذا النجوم ) : جواب " إذا " محذوف ، تقديره : بان الأمر أو فصل ، أو يقال : ( لأي يوم ) وجوابها العامل فيها ؛ ولا يجوز أن يكون ( طمست ) جوابا ؛ لأنه الفعل المفسر لمواقع النجوم ، فالكلام لا يتم به ، والتقدير : فإذا طمست النجوم ، ثم حذف الفعل استغناء عنه بما بعده . وقال الكوفيون : الاسم بعد " إذا " مبتدأ ، وهو بعيد ؛ لما في إذا من معنى الشرط المتقاضي للفعل .
قال تعالى : ( وإذا الرسل أقتت ( 11 ) ) .
قوله تعالى : ( وقتت ) : بالواو على الأصل ؛ لأنه من الوقت .
وقرئ بالتخفيف ، ودل عليه قوله تعالى : ( كتابا موقوتا ) [ سورة النساء : 103 ] .
وقرئ بالهمز ؛ لأن الواو قد ضمت ضما لازما ، فهرب منها إلى الهمزة .
قال تعالى : ( لأي يوم أجلت ( 12 ) ليوم الفصل ( 13 ) ) .
قوله تعالى : ( لأي يوم ) : أي يقال لهم . و ( ليوم الفصل ) : تبيين لما قبله .
قال تعالى : ( ويل يومئذ للمكذبين ( 15 ) ) .
قوله تعالى : ( ويل ) : هو مبتدأ . و ( يومئذ ) : نعت له ، أو ظرف له . و ( للمكذبين ) : الخبر .
[ ص: 485 ] قال تعالى : ( ألم نهلك الأولين ( 16 ) ثم نتبعهم الآخرين ( 17 ) ) .
قوله تعالى : ( ثم نتبعهم ) : الجمهور على الرفع ؛ أي ثم نحن نتبعهم ؛ وليس بمعطوف ؛ لأن العطف يوجب أن يكون المعنى : أهلكنا المجرمين ، ثم أتبعناهم الآخرين في الهلاك ؛ وليس كذلك ؛ لأن إهلاك الآخرين لم يقع بعد . وقرئ بإسكان العين شاذا ؛ وفيه وجهان ؛ أحدهما : هو على التخفيف ، لا على الجزم . والثاني : هو مجزوم . والمعنى : ثم أتبعناهم الآخرين في الوعد بالإهلاك ، أو أراد بالآخرين آخر من أهلك .
قال تعالى : ( إلى قدر معلوم ( 22 ) فقدرنا فنعم القادرون ( 23 ) ) قوله تعالى : ( إلى قدر ) : هو في موضع الحال ؛ أي مؤخرا إلى قدر .
و ( قدرنا ) - بالتخفيف - أجود ؛ لقوله تعالى : " فنعم القادرون " ولم يقل : المقدرون ، ومن شدد الفعل نبه على التكثير ، واستغنى به عن التكثير بتشديد الاسم . والمخصوص بالمدح محذوف ؛ أي فنعم القادرون نحن .
قال تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا ( 25 ) أحياء وأمواتا ( 26 ) ) .
قوله تعالى : ( كفاتا ) : جمع كافت ، مثل صائم وصيام . وقيل : هو مصدر ، مثل كتاب وحساب ، والتقدير : ذات كفت ؛ أي جمع . وأما " أحياء " ففيه وجهان ؛ أحدهما : هو مفعول " كفاتا " .
والثاني : هو المفعول الثاني لجعلنا بعض الأرض أحياء بالنبات ؛ و " كفاتا " على هذا حال .
قال تعالى : ( وأسقيناكم ماء فراتا ( 27 ) ) .
والتاء في " فرات " أصل .
قال تعالى : ( انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ( 30 ) لا ظليل ولا يغني من اللهب ( 31 ) إنها ترمي بشرر كالقصر ( 32 ) كأنه جمالة صفر ( 33 ) ) .
قوله تعالى : ( لا ظليل ) : نعت لظل . و ( القصر ) بسكون الصاد ، وهو المشهور ، وهو المبني .
[ ص: 486 ] ويقرأ بفتحها ، وهو جمع قصرة ، وهي أصل النخلة والشجرة .
و ( جمالات ) : جمع جمالة ، وهو اسم للجميع ، مثل الذكارة والحجارة ، والضم لغة .
قال تعالى : ( هذا يوم لا ينطقون ( 35 ) ) .
قوله تعالى : ( هذا ) : هو مبتدأ ، و ( يوم لا ينطقون ) : خبره .
ويقرأ بفتح الميم ؛ وهو نصب على الظرف ؛ أي هذا المذكور في يوم لا ينطقون . وأجاز الكوفيون أن يكون مرفوع الموضع مبني اللفظ لإضافته إلى الجملة .
قال تعالى : ( ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( 36 ) ) .
قوله تعالى : ( فيعتذرون ) : في رفعه وجهان ؛ أحدهما : هو نفي كالذي قبله ؛ أي فلا يعتذرون . والثاني : هو مستأنف ؛ أي : فهم يعتذرون ، فيكون المعنى : أنهم لا ينطقون نطقا ينفعهم ؛ أي لا ينطقون في بعض المواقف ، وينطقون في بعضها ؛ وليس بجواب النفي ؛ إذ لو كان كذلك لحذف النون .
قال تعالى : ( كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ( 46 ) ) .
قوله تعالى : ( قليلا ) : أي تمتعا أو زمانا . والله أعلم .