ب - القول في الطواف بالبيت
والكلام في الطواف ، في صفته وشروطه وحكمه في الوجوب أو الندب وفي أعداده .
القول في الصفة
والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبا كان أو غير واجب أن ، فإن يبتدئ من الحجر الأسود ، ثم يجعل البيت على يساره ، ويمضي على يمينه ، فيطوف سبعة أشواط ، يرمل في الثلاثة الأشواط الأول ، ثم يمشي في الأربعة ، وذلك في طواف القدوم على مكة ، وذلك للحاج والمعتمر دون المتمتع ، وأنه لا رمل على النساء ، ويستلم الركن اليماني [ ص: 282 ] - وهو الذي على قطر الركن الأسود - لثبوت هذه الصفة من فعله - صلى الله عليه وسلم - . استطاع أن يقبله قبله أو يلمسه بيده ويقبلها إن أمكنه
واختلفوا في حكم الأول للقادم هل هو سنة أو فضيلة ؟ فقال الرمل في الثلاثة الأشواط : هو سنة ، وبه قال ابن عباس الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأحمد . واختلف قول وأبو ثور مالك في ذلك وأصحابه .
والفرق بين القولين : أن من جعله سنة أوجب في تركه الدم ، ومن لم يجعله سنة لم يوجب في تركه شيئا .
واحتج من لم ير الرمل سنة بحديث ابن الطفيل عن قال : ابن عباس : زعم قومك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طاف بالبيت رمل وأن ذلك سنة ، فقال : صدقوا وكذبوا ، قال : قلت : ما صدقوا وما كذبوا ؟ قال : صدقوا ; رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طاف بالبيت ، وكذبوا ; ليس بسنة ، إن لابن عباس قريشا زمن الحديبية قالوا : إن به وبأصحابه هزالا وقعدوا على قعيقعان ينظرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لأصحابه : ارملوا أروهم أن بكم قوة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمل من الحجر الأسود إلى اليماني ، فإذا توارى عنهم مشى " . قلت
وحجة الجمهور حديث جابر " أن " . وهو حديث ثابت من رواية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل في الأشواط في حجة الوداع ومشى أربعا مالك وغيره .
قالوا : وقد اختلف على أبي الطفيل عن فروي عنه : " أن ابن عباس " . وذلك بخلاف الرواية الأولى . رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود
وعلى أصول الظاهرية يجب الرمل لقوله : " " . وهو قولهم أو قول بعضهم الآن فيما أظن . خذوا عني مناسككم
وأجمعوا على أنه لا رمل على من أحرم بالحج من مكة من غير أهلها - وهم المتمتعون - لأنهم قد رملوا في حين دخولهم حين طافوا للقدوم .
واختلفوا في أهل مكة هل عليهم إذا حجوا رمل أم لا ؟ فقال : كل طواف قبل عرفة مما يوصل بينه وبين السعي فإنه يرمل فيه ، وكان الشافعي مالك يستحب ذلك ، وكان لا يرى عليهم رملا إذا طافوا بالبيت على ما روى عنه ابن عمر مالك .
وسبب الخلاف : هل الرمل كان لعلة أو لغير علة ؟ وهل هو مختص بالمسافر أم لا ؟ وذلك أنه كان - عليه الصلاة والسلام - حين رمل واردا على مكة .
واتفقوا على أن من سنة الطواف استلام الركنين الأسود واليماني للرجال دون النساء .
واختلفوا هل تستلم الأركان كلها أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه إنما يستلم الركنان فقط لحديث : " ابن عمر " . واحتج من رأى استلام جميعها بما روي عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يستلم إلا الركنين فقط جابر قال : " كنا نرى إذا طفنا أن نستلم الأركان كلها ، وكان بعض السلف لا يحب أن يستلم الركنين إلا في الوتر من الأشواط " .
وكذلك أجمعوا على أن تقبيل الحجر الأسود خاصة من سنن الطواف إن قدر ، وإن لم يقدر على الدخول إليه قبل يده ، وذلك لحديث الذي رواه عمر بن الخطاب مالك أنه قال وهو يطوف بالبيت حين [ ص: 283 ] بلغ الحجر الأسود : " إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك ، ثم قبله " .
وأجمعوا على أن من سنة الطواف ركعتين بعد انقضاء الطواف ، وجمهورهم على أنه يأتي بها الطائف عند انقضاء كل أسبوع إن طاف أكثر من أسبوع واحد . وأجاز بعض السلف أن لا يفرق بين الأسابيع وأن لا يفصل بينهما بركوع ، ثم يركع لكل أسبوع ركعتين ، وهو مروي عن عائشة أنها كانت لا تفرق بين ثلاثة الأسابيع ، ثم تركع ست ركعات .
وحجة الجمهور : " " . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، وقال : خذوا عني مناسككم
وحجة من أجاز الجمع أنه قال : المقصود إنما هو ركعتان لكل أسبوع ، والطواف ليس له وقت معلوم ، ولا الركعتان المسنونتان بعده ، فجاز الجمع بين أكثر من ركعتين لأكثر من أسبوعين ، وإنما استحب من يرى أن يفرق بين ثلاثة الأسابيع لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إلى الركعتين بعد وتر من طوافه ، ومن طاف أسابيع غير وتر ثم عاد إليها لم ينصرف عن وتر من طوافه .