[ ص: 667 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوصايا
والنظر فيها أولا ينقسم قسمين :
القسم الأول : النظر في الأركان .
والثاني : في الأحكام .
ونحن فإنما نتكلم من هذه فيما وقع فيها من المسائل المشهورة .
[ القسم الأول ]
القول في الأركان
: الموصي ، والموصى له ، والموصى به ، والوصية . والأركان أربعة
[ 1 - القول في ] الموصي
أما الموصي فاتفقوا على أنه كل مالك صحيح الملك ، ويصح عند مالك وصية السفيه والصبي الذي يعقل القرب ، وقال أبو حنيفة لا تجوز وصية الصبي الذي لم يبلغ ، وعن القولان وكذلك وصية الكافر تصح عندهم إذا لم يوص بمحرم . الشافعي
[ 2 - القول في الموصى له ] وأما الموصى له فإنهم اتفقوا على أن لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " الوصية لا تجوز لوارث " واختلفوا هل تجوز لغير القرابة ؟ فقال جمهور العلماء : إنها تجوز لغير الأقربين مع الكراهية ، وقال لا وصية لوارث الحسن ، : ترد الوصية على القرابة ، وبه قال وطاوس إسحاق .
وحجة هؤلاء ظاهر قوله تعالى : ( الوصية للوالدين والأقربين ) والألف واللام تقتضي الحصر .
واحتج الجمهور بحديث المشهور وهو " عمران بن حصين " والعبيد غير القرابة . أن رجلا أعتق ستة أعبد له في مرضه عند موته ، لا مال له غيرهم ، فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة
وأجمعوا - كما قلنا - أنها لا تجوز لوارث إذا لم يجزها الورثة . واختلفوا - كما قلنا - إذا أجازتها الورثة ، فقال الجمهور : تجوز ، وقال أهل الظاهر والمزني : لا تجوز .
وسبب الخلاف فمن قال عبادة قال : لا تجوز وإن أجازها الورثة ، ومن قال بالمنع لحق الورثة أجازها الورثة . هل المنع لعلة الورثة أو عبادة ؟
وتردد هذا الخلاف راجع إلى تردد المفهوم من قوله - عليه الصلاة والسلام - : " " هل هو معقول المعنى أم ليس بمعقول ؟ واختلفوا في الوصية للميت ، فقال قوم : تبطل بموت الموصى له ، وهم الجمهور; وقال قوم : لا تبطل [ ص: 668 ] وفي الوصية للقاتل خطأ وعمدا . لا وصية لوارث
وفي هذا الباب فرع مشهور ، وهو إذا أذن الورثة للميت هل لهم أن يرجعوا في ذلك بعد موته ؟ فقيل لهم ، وقيل ليس لهم ، وقيل بالفرق بين أن يكون الورثة في عيال الميت أو لا يكونوا ، أعني أنهم إن كانوا في عياله كان لهم الرجوع ، والثلاثة الأقوال في المذهب .
3 - القول في الموصى به
والنظر في جنسه وقدره .
أما : فإنهم اتفقوا على جواز الوصية في الرقاب ، واختلفوا في المنافع ، فقال جمهور فقهاء الأمصار : ذلك جائز ، وقال جنسه ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة وأهل الظاهر : الوصية بالمنافع باطلة .
وعمدة الجمهور أن المنافع في معنى الأموال . وعمدة الطائفة الثانية أن المنافع متنقلة إلى ملك الوارث; لأن الميت لا ملك له فلا تصح له وصية بما يوجد في ملك غيره ، وإلى هذا القول ذهب . أبو عمر بن عبد البر
وأما القدر : فإن العلماء اتفقوا على أنه لا تجوز لمن ترك ورثة . واختلفوا فيمن لم يترك ورثة وفي القدر المستحب منها ، هل هو الثلث أو دونه ؟ الوصية في أكثر من الثلث
وإنما صار الجميع إلى أن الوصية لا تجوز في أكثر من الثلث لمن له وارث بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - " ، فقال له يا رسول الله : قد بلغ مني الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي مالي ؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا ، فقال له سعد بن أبي وقاص سعد : فالشطر ؟ قال : لا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس " ، فصار الناس لمكان هذا الحديث إلى أن الوصية لا تجوز بأكثر من الثلث . أنه عاد
واختلفوا في المستحب من ذلك .
فذهب قوم إلى أنه ما دون الثلث ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث : " والثلث كثير " ، وقال بهذا كثير من السلف . قال قتادة : أوصى أبو بكر بالخمس ، وأوصى عمر بالربع ، والخمس أحب إلي .
وأما من ذهب إلى أن المستحب هو الثلث فإنهم اعتمدوا على ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله جعل لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم " وهذا الحديث ضعيف عند أهل الحديث .
وثبت عن أنه قال : لو غض الناس في الوصية من الثلث إلى الربع لكان أحب إلي ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عباس " . الثلث والثلث كثير
وأما اختلافهم في لمن لا وارث له ، فإن جواز الوصية بأكثر من الثلث مالكا لا يجيز ذلك ، واختلف فيه قول والأوزاعي أحمد ، وأجاز ذلك أبو حنيفة وإسحاق ، وهو قول . ابن مسعود
وسبب الخلاف هل هذا الحكم خاص بالعلة التي علله بها الشارع أم ليس بخاص ، وهو أن لا يترك ورثته عالة يتكففون الناس ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : " " [ ص: 669 ] فمن جعل هذا السبب خاصا وجب أن يرتفع الحكم بارتفاع هذه العلة ، ومن جعل الحكم عبادة وإن كان قد علل بعلة ، أو جعل جميع المسلمين في هذا المعنى بمنزلة الورثة ، قال : لا تجوز الوصية بإطلاق بأكثر من الثلث . إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس
4 - القول في . المعنى الذي يدل عليه لفظ الوصية
والوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص آخر أو لأشخاص بعد موته ، أو عتق غلامه سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به ، وهذا العقد عندهم هو باتفاق ( أعني : أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به ) إلا المدبر فإنهم اختلفوا فيه على ما سيأتي في كتاب التدبير . من العقود الجائزة
وأجمعوا على أنه لا يجب للموصى له إلا بعد موت الموصي .
واختلفوا في قبول الموصى له هل هو شرط في صحتها أم لا ؟ فقال مالك : قبول الموصى له إياها شرط في صحة الوصية ، وروي عن أنه ليس القبول شرطا في صحتها ، ومالك شبهها بالهبة . الشافعي