الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والصبح ) يدخل وقتها ( بالفجر الصادق ) ؛ لأن جبريل صلاها أول يوم حين حرم الفطر على الصائم وإنما يحرم بالصادق إجماعا ولا نظر لمن شذ فلم يحرمه إلا بطلوع الشمس ومن ثم رد وإن نقل عن أجلاء صحابة وتابعين بأنه مخالف للإجماع وإن استدل له بقوله تعالى { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } الدال على أنه لا آية للنهار إلا الشمس المؤيد بآية { يولج الليل في النهار } الدالة على أنه لا فاصل بينهما ؛ لأن كل ذلك سفساف ومن ثم استبعد غير واحد صحة ذلك عن أحد يعتد به ( وهو ) بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي ( المنتشر ضوءه معترضا بالأفق ) أي نواحي السماء بخلاف الكاذب وهو ما يبدو مستطيلا وأعلاه أضوأ من باقيه ، ثم تعقبه ظلمة

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              في تحقيق هذا وكونه مستطيلا كلام طويل لأهل الهيئة مبني على الحدس المبني على قواعد الحكماء الباطلة شرعا من منع الخرق ، والالتئام ، أو التي لم يشهد بصحتها [ ص: 426 ] على أنه لا يفي ببيان سبب كون أعلاه أضوأ مع أنه أبعد من أسفله من مستمده وهو الشمس ولا ببيان سبب انعدامه بالكلية حتى تعقبه ظلمة كما صرح به الأئمة وقدروها بساعة ، والظاهر أن مرادهم مطلق الزمن ؛ لأنها تطول تارة وتقصر أخرى وزعم بعض أهل الهيئة عدم انعدامه وإنما يتناقص حتى ينغمر في الفجر الصادق ولعله باعتبار التقدير لا الحس وفي خبر مسلم { لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير } أي ينتشر ذلك العمود أي في نواحي الأفق وقد يؤخذ من تسمية الفجر الأول عارضا للثاني شيئان أحدهما أنه يعرض للشعاع الناشئ عند الفجر الثاني انحباس قرب ظهوره كما يشعر به التنفس في قوله تعالى { والصبح إذا تنفس } وعند ذلك الانحباس يتنفس منه شيء من شبه كوة ، والمشاهد في المنحبس إذا خرج بعضه دفعة أن يكون أوله أكثر من آخره وهذا لكون كلام الصادق قد يدل عليه ولإنبائه عن سبب طوله وإضاءة أعلاه واختلاف زمنه وانعدامه بالكلية الموافق للحس أولى مما ذكره أهل الهيئة القاصر عن كل ذلك ، ثانيهما أنه صلى الله عليه وسلم أشار بالعارض إلى أن المقصود بالذات هو الصادق وأن الكاذب إنما قصد بطريق العرض ليتنبه الناس به لقرب ذلك فيتهيئوا ليدركوا فضيلة أول الوقت لاشتغالهم بالنوم الذي لولا هذه العلامة لمنعهم إدراك أول الوقت فالحاصل أنه نور يبرزه الله من ذلك الشعاع ، أو يخلقه حينئذ علامة على قرب الصبح ومخالفا له في الشكل ليحصل التمييز وتتضح العلامة العارضة من المعلم عليه المقصود فتأمل ذلك فإنه غريب مهم

                                                                                                                              وفي حديث عند أحمد { ليس الفجر الأبيض المستطيل في الأفق ولكن الفجر الأحمر المعترض } وفيه شاهد لما ذكرته آخرا ومما يؤيد ما أشرت إليه من الكوة ما أخرجه غير واحد عن ابن عباس أن للشمس ثلثمائة وستين كوة تطلع كل يوم من كوة فلا بدع أنها عند قربها من تلك الكوة ينحبس شعاعها ، ثم يتنفس كما مر ، ثم رأيت للقرافي المالكي وغيره كالأصبحي من أئمتنا فيه كلاما يوضحه ويبين صحة ما ذكرته من الكوة ويوافق استشكالي لكونه يظهر ، ثم يغيب وحاصله وإن كان فيه طول لمس الحاجة إليه أنه بياض يطلع قبل الفجر الصادق ، ثم يذهب عند أكثر الأبصار دون الراصد المجتهد القوي النظر

                                                                                                                              وذكر ابن بشير المالكي أنه من نور الشمس إذا قربت من الأفق فإذا ظهر أنست به الأبصار فيظهر لها أنه غاب وليس كذلك ونقل الأصبحي إبراهيم أن بعضهم ذكر أنه يذهب بعد طلوعه ويعود مكانه ليلا وهذا البعض كثيرون من أئمتنا كما مر وأن أبا جعفر البصري بعد أن عرفه بأنه عند بقاء نحو ساعتين يطلع مستطيلا إلى نحو ربع السماء كأنه عمود وربما لم ير إذا كان الجو نقيا شتاء وأبين ما يكون إذا كان الجو كدرا صيفا أعلاه دقيق وأسفله واسع أي ولا ينافي هذا ما قدمته أن أعلاه أضوأ ؛ لأن ذاك عند أول الطلوع وهذا عند مزيد قربه من الصادق [ ص: 427 ] وتحته سواد ، ثم بياض ، ثم يظهر ضوء يغشي ذلك كله ، ثم يعترض : ورده بأنه رصده نحو خمسين سنة فلم يره غاب وإنما ينحدر ليلتقي مع المعترض في السواد ويصيران فجرا واحدا وزعم غيبته ، ثم عوده وهم ، أو رآه يختلف باختلاف الفصول فظنه يذهب وبعض الموقتين يقول هو المجرة إذا كان الفجر بالسعود ويلزمه أنه لا يوجد إلا نحو شهرين في السنة قال القرافي وقال آخرون هو شعاع الشمس يخرج من طاق بجبل قاف ، ثم أبطله بأن جبل قاف لا وجود له وبرهن عليه بما يرده ما جاء عن ابن عباس من طرق خرجها الحفاظ وجماعة منهم ممن التزموا تخريج الصحيح وقول الصحابي ذلك ونحوه مما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها { أن وراء أرضنا بحرا محيطا ، ثم جبلا يقال له قاف ، ثم أرضا ، ثم بحرا ، ثم جبلا وهكذا حتى عد سبعا من كل }

                                                                                                                              وأخرج بعض أولئك عن عبد الله بن بريدة أنه جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء وعن مجاهد مثله وكما اندفع بذلك قوله لا وجود له اندفع قوله : أثره ولا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه ؛ لأنه إن أراد بالدليل مطلق الإمارة فهذا عليه أدلة أو الإمارة القطعية فهذا مما يكفي فيه الظن كما هو جلي ، ثم نقل أعني القرافي عن أهل الهيئة أنه يظهر ، ثم يخفى دائما ، ثم استشكله ، ثم أطال في جوابه بما لا يتضح إلا لمن أتقن علمي الهندسة ، والمناظرة وأولى منه أنه يختلف باختلاف النظر لاختلافه باختلاف الفصول ، والكيفيات العارضة لمحله قد يدق في بعض ذلك حتى لا يكاد يرى أصلا وحينئذ فهذا عذر من عبر بأنه يغيب وتعقبه ظلمة ( ويبقى حتى تطلع الشمس ) لخبر مسلم بذلك ويكفي طلوع بعضها بخلاف الغروب إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر لقوته ( والاختيار أن لا تؤخر عن الإسفار ) وهو الإضاءة بحيث يميز الناظر القريب منه ؛ لأن جبريل صلاها ثاني يوم كذلك ولها غير هذا ، والأوقات الأربعة السابقة وقت كراهة من الحمرة إلى أن يبقى ما يسعها

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ، والصبح ) بضم الصاد وحكى كسرها في اللغة أول النهار فلذلك سميت به هذه الصلاة مغني ( قوله : ومن ثم ) أي : من أجل عدم النظر ، والاعتبار لذلك القول الشاذ ( قوله : وإن استدل له ) أي : لذلك القول الشاذ ( قوله : الدال ) أي : هذا القول الكريم أي في زعم المستدل ( قوله : المؤيد إلخ ) ظاهره أنه صفة ثانية لقوله تعالى إلخ ولو قال وأيد بآية إلخ عطفا على استدل إلخ لكان أولى ( قوله : ؛ لأن إلخ ) علة لقوله ولا نظر إلخ ومتعلق بعد الانبغاء المفهوم منه ( قوله : صحة ذلك ) أي : النقل المذكور ، أو الحصر المذكور ( قوله : سفساف ) أي : رديء قاموس ( قوله : أي نواحي السماء ) أي فيما بين الجنوب ، والشمال من جهة المشرق شيخنا ( قوله : مستطيلا ) أي ممتدا إلى جهة العلو كذنب السرحان بكسر السين وهو الذئب شيخنا ( قوله : ثم تعقبه ظلمة ) أي غالبا وقد يتصل بالصادق شيخنا وبجيرمي

                                                                                                                              ( قوله : في تحقيق هذا ) أي في بيان حقيقة الفجر الكاذب ( قوله : على الحدس ) أي : الوهم ، والخيال قاموس ( قوله : كمنع الخرق إلخ ) أي : خرق السماء ، والتئامه ( قوله : لم يشهد إلخ ) أي الشرع يعني لم يرد في الشرع ما يصححها ولا ما يبطلها وكان الأولى إبراز الضمير [ ص: 426 ] لأنه صلة جرت على غير ما هي له ( قوله : على أنه ) أي : ذلك الكلام ( قوله : مع أنه ) أي : أعلاه ( قوله : كما صرح به ) أي : بانعدامه بالكلية ( قوله : وقدروها ) أي : الظلمة ( قوله : أن مرادهم ) أي : بالساعة ( قوله : حتى ينغمر في الفجر الصادق ) أي : يتصل به ( قوله : ولعله ) أي : ما زعمه ذلك البعض من عدم الانعدام ( باعتبار التقدير ) أي تخمين القوة الواهمة

                                                                                                                              ( قوله : الناشئ عنه ) أي : عن الشعاع وقوله الفجر إلخ فاعل الناشئ وقوله انحباس فاعل يعرض وقوله قرب ظهوره أي الشعاع ظرف يعرض ورجع الكردي الضمير للفجر ( قوله : يتنفس منه إلخ ) أي : من ذلك الشعاع وقوله من شبه إلخ متعلق بيتنفس أيضا لكن من هنا للابتداء وفي الأول للتبعيض ( قوله : والمشاهد إلخ ) جملة حالية ( قوله : وهذا ) أي : الشيء الأول ( قوله : وإضاءة أعلاه ) عطف على طوله وقوله واختلاف إلخ وقوله وانعدام إلخ عطفان عليه أيضا ، أو على سبب إلخ وقوله الموافق يظهر رجوعه للاختلاف أيضا ( قوله : أولى إلخ ) خبر وهذا ( قوله : ثانيهما ) أي الشيئين ( قوله : لقرب ذاك ) أي الصادق

                                                                                                                              ( قوله : لاشتغالهم إلخ ) علة للقصد للتنبه لكن فيها خفاء إذ قد يوهم أن هذه العلامة توقظ النائمين وليس كذلك ( قوله : فالحاصل ) أي : حاصل المأخوذ من حديث مسلم كردي لعل الأولى وحاصل ما يتعلق بالمقام فتدبر ( قوله : أنه ) أي الفجر الكاذب ( قوله : حينئذ ) أي : حين قرب ظهور ذلك الشعاع وقوله علامة إلخ تنازع فيه الفعلان ( قوله : ومخالفا له إلخ ) في أخذه من الحديث المتقدم توقف ( قوله : في الشكل ) إن أراد به الهيئة كالاستطالة ، والاعتراض فظاهر وإن أراد به اللون كما هو قضية قوله الآتي وفيه شاهد إلخ ففيه تأمل فإن المخالفة في اللون إنما توجد في أواخر وقت الصبح ، والكلام هنا في أوله

                                                                                                                              ( قوله : وتتضح العلامة إلخ ) عطف تفسير وقوله من المعلم عليه إلخ متعلق بذلك ( قوله : فتأمل ذلك ) أي : الشيء الثاني ويحتمل أنه راجع للأول أيضا ( قوله : لما ذكرته آخرا ) إشارة إلى ثاني الشيئين كردي أقول : بل إلى قوله ومخالفا له في الشكل إلخ ( قوله : ما أشرت إليه ) أي : في الشيء الأول ( قوله : فيه ) أي : في بيان الفجر الكاذب ( قوله : يوضحه ) أي : الفجر الكاذب ( قوله : صحة ما ذكرته ) أي : عن ابن عباس ( قوله : ويوافق ) أي : الكلام ( قوله : استشكالي إلخ ) أي : بقوله وزعم بعض أهل الهيئة إلخ ( قوله : وحاصله ) أي : ذلك الكلام ، وكذا مرجع ضمير قوله فيه

                                                                                                                              ( قوله : لمس الحاجة إليه ) أي : وإنما أطالوا الكلام فيه لمس الحاجة إلى الطول ( قوله : أنه إلخ ) أي : الفجر الكاذب ( قوله : دون الراصد ) أي : المراقب للأوقات ( قوله : المجيد ) من الإجادة ( قوله : فإذا ظهر ) أي الفجر الكاذب ( قوله : مكانه ليلا ) فاعل فمفعول على القلب ولذا قال السيد البصري قوله ليلا يتأمل وجه نصبه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كما مر ) أي في قوله كما صرح به الأئمة ( قوله : وإن أبا جعفر إلخ ) عطف على أن بعضهم إلخ فهو مما نقله الأصبحي أيضا و ( قوله : عند بقاء نحو ساعتين ) أي : من الليل كردي ( قوله : ولا ينافي هذا ) أي : قوله أعلاه دقيق إلخ ( قوله : ؛ لأن ذلك ) أي : ما تقدم وقوله وهذا أي قوله أعلاه دقيق [ ص: 427 ] إلخ ( قوله : وتحته سواد ، ثم بياض ) يتأمل فيه ( قوله : رده إلخ ) خبر أن أبا جعفر يعني أن أبا جعفر بعد تعريفه المذكور رد ما ذكره بعضهم أنه يذهب إلخ

                                                                                                                              ( قوله : ينحدر ) أي يتناقص من جانب أعلاه وينزل ( قوله : أو رآه إلخ ) عطف على وهم ( قوله : هو المجرة ) بفتح الميم ، والجيم نجوم مجتمعة تظهر قبل الفجر الصادق شيخنا ( قوله : بالسعود ) منزل للقمر كردي عبارة القاموس وسعود النجوم عشرة سعد بلع وسعد الأخبية وسعد الذابح وسعد السعود وهذه الأربعة من منازل القمر ، ثم قال بعد ذكر البقية وهذه الستة ليست من المنازل كل منها كوكبان بينهما نحو ذراع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم أبطله ) أي : أبطل القرافي ما قاله الآخرون ( قوله : وبرهن عليه ) أي : استدل القرافي على عدم وجود جبل قاف ( قوله : وجماعة منهم ) أي : من الحفاظ مبتدأ وقوله ممن التزم إلخ خبره ، والجملة حالية ( قوله : وقول الصحابي ذلك ) أي وجود جبل يقال له قاف ( قوله : مما لا مجال إلخ ) فيه توقف إذ يمكن أن يكون منشأ ذلك القول من ابن عباس رضي الله عنهما مجرد اشتهاره بين العرب

                                                                                                                              ( قوله : منها ) أي : تلك الطرق ( قوله : إنه ) أي قاف ( قوله : بذلك ) أي : بما جاء عن ابن عباس وعبد الله بن بريدة ومجاهد رضي الله تعالى عنهم ( قوله : أثره ) أي عقب قوله لا وجود له ( قوله : ؛ لأنه ) أي : القرافي ، والجار متعلق باندفع ( قوله : فهذا ) أي : وجود جبل قاف ( قوله : إنه يظهر ) أي : الفجر الكاذب ( قوله : وأولى منه ) أي : من جواب القرافي ( قوله : فقد يدق ) يعني بعد الظهور ( قوله : لخبر مسلم ) إلى التنبيه في النهاية ، والمغني إلا قوله بحيث إلى ؛ لأن ( قوله لخبر مسلم ) { وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس } مغني ونهاية

                                                                                                                              ( قوله : إلحاقا لما لم يظهر إلخ ) أي : فيهما مغني ( قوله : ولها غير هذا إلخ ) فأوقاتها ستة مغني وشيخنا




                                                                                                                              الخدمات العلمية