الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( الركن الثالث للدين العمل الصالح )

                          وأما الركن الثالث من مقاصد بعثة الرسل وهو العمل الصالح فهو مكرر في القرآن في سور كثيرة ; لإصلاح ما أفسده البشر فيه بجعله تقليديا غير مزك النفس ولا مصلح لشئون الاجتماع ، ولكن دون تكرار توحيد الله وتقديسه الذي هو الأصل الذي يتبعه ، ولولا الحاجة إلى هذا التكرار في التذكير والتأثير لكانت سورة العصر كافية في الإصلاح العلمي العملي على قصرها ، كسورة الإخلاص في الركن الأول الاعتقادي ، وكل منهما تكتب في سطر واحد ، فهما من معجزات إيجاز القرآن وهدايته .

                          ثم إن العمل الصالح من لوازم الإيمان بالله في الدرجة الأولى ; لأن من عرف الله عرف استحقاقه للحمد والشكر والعبادة والحب والتعظيم ، وهو من لوازم الإيمان بالجزاء على الأعمال في الدرجة الثانية خوفا من العقاب ورجاء في الثواب .

                          ويدخل في الأعمال الصالحة العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى ، وسائر أعمال البر التي ترضيه بما لها من التأثير في صلاح البشر كبر الوالدين ، وصلة الرحم ، وإكرام اليتامى والمساكين . ومن أصوله الوصايا الجامعة في آيات سورة الإسراء : ( وقضى ربك ) إلى قوله : ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ) ( 17 : 23 - 39 ) إلخ وهي أجمع وأعظم من الوصايا العشر التي في التوراة . وآيات سورة الأنعام : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) ( 6 : 151 ) إلخ . وغير ذلك مما ينفع الناس من الحث على الفضائل ، والزجر عن الرذائل والمعاصي الضارة [ ص: 178 ] بالأبدان والأموال والأعراض والعقول والأديان ، ومثارها الأكبر اتباع الهوى وطاعة وسوسة الشيطان . ويضمدهما ملكة التقوى ، فهي اسم جامع لما يقي النفس من كل ما يدنسها وتسوء به عاقبتها في الدنيا أو الآخرة ولهذا تذكر في المسائل الدينية والزوجية والحربية وغيرها وقد فصلنا هذا في ( ص 538 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) ولا حاجة إلى التطويل بالشواهد على ما في القرآن منها .

                          وسنة القرآن في الإرشاد إلى الأعمال الصالحة بيان أصولها ومجامعها ، وتكرار التذكير بها بالإجمال ، وأكثر ما يحث عليه من العبادات الصلاة التي هي العبادة الروحية العليا والاجتماعية المثلى ، والزكاة التي هي العبادة المالية الاجتماعية الكبرى ، كرر الأمر بهما في آيات كثيرة وبين أهم منافعهما بقوله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) ( 29 : 45 ) وقوله : ( إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين ) ( 70 : 19 - 26 ) الآيات ، وقوله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ( 9 : 103 ) .

                          ولم يكرر ما يحفظ بالعمل والاقتداء بالرسول من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج بل لم يذكر منها إلا لما لذكره فائدة خاصة ، وذكرت فيه أحكام الصيام في موضع واحد ولم يذكر فيه عدد الركعات في كل صلاة ولا عدد الركوع والسجود ، ولا نصاب الزكاة في كل نوع مما تجب فيه ; لأن كل هذا يؤخذ من بيان الرسول ويحفظ بالعمل ، وليس في ذكره تزكية للنفس ولا تغذية للإيمان .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية