الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 553 ] خلافة موسى الهادي ابن المهدي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي أبوه في المحرم من أول سنة تسع وستين ومائة ، وكان ولي العهد من بعد أبيه ، لكن كان أبوه قد عزم على تقديم أخيه هارون الرشيد عليه في ولاية العهد ، فلم يتفق ذلك حتى مات أبوه بماسبذان في شهر الله المحرم ، وكان الهادي إذ ذاك بجرجان ، فهم بعض الدولة منهم; الربيع الحاجب وطائفة من القواد على تقديم الرشيد عليه والمبايعة له ، وكان حاضرا ببغداد ، وعزموا على النفقة في الجند لذلك تنفيذا لما رامه المهدي من ذلك . فأسرع الهادي السير من جرجان إلى بغداد حين بلغه الخبر ، فساق منها إليها في عشرين يوما فدخل بغداد وقام في الناس خطيبا ، وأخذ البيعة منهم فبايعوه ، وتغيب الربيع الحاجب ، فتطلبه الهادي حتى حضر بين يديه ، فعفا عنه وأحسن إليه ، وأقره على وظيفة الحجوبية ، وزاده الوزارة وولايات أخر ، وشرع الهادي في تطلب الزنادقة من الآفاق ، فقتل منهم طائفة كثيرة ، واقتدى في ذلك بأبيه ، وقد كان موسى الهادي من أفكه الناس مع أصحابه في الخلوة ، فإذا جلس في مقام الخلافة لا يستطيعون النظر إليه; لما يعلوه من المهابة والرياسة ، وكان شابا حسنا وقورا مهيبا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة - أعني سنة تسع وستين ومائة - خرج بالمدينة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وذلك أنه أصبح [ ص: 554 ] يوما وقد لبس البياض ، وجلس في المسجد النبوي ، وجاء الناس إلى الصلاة فلما رأوه ولوا راجعين ، والتف عليه جماعة ، فبايعوه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرضا من أهل البيت . وكان سبب خروجه أن متوليها خرج منها إلى بغداد لتلقي أمير المؤمنين وتهنئته بالولاية ، وتعزيته في أبيه المهدي ، فجرت أمور اقتضت أن خرج حسين هذا ، والتف عليه جماعة ، وجعلوا مأواهم المسجد النبوي ، ومنعوا الناس من الصلاة فيه ، ولم يجبه أهل المدينة ، وجعلوا يدعون عليه لامتهانهم المسجد ، حتى ذكر أنهم كانوا يقذرون في جنبات المسجد ، وقد اقتتلوا مع المسودة مرات ، فقتلوا منهم وقتل منهم ، ثم ارتحل إلى مكة ، فأقام بها إلى زمن الحج ، فبعث إليه الهادي جيشا ، فقاتلوه بعد فراغ الناس من الموسم ، فقتلوه وقتلوا طائفة من أصحابه ، وانهزم بقيتهم ، وتفرقوا شذر مذر ، فكان مدة خروجه إلى أن قتل تسعة أشهر وثمانية عشر يوما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كان كريما من أجود الناس; دخل يوما على المهدي ، فأطلق له أربعين ألف دينار ، ففرقها في أهله وأصدقائه من أهل بغداد والكوفة ، وما خرج منها وعليه قميص ، إنما عليه فروة ليس دونها قميص .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حج بالناس سليمان ابن أبي جعفر عم الخليفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وغزا الصائفة من طريق درب الراهب معيوف بن يحيى في جحفل كثيف ، وقد أقبلت الروم مع بطريقها فبلغوا الحدث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية