الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عزل القضاة الثلاثة بدمشق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان يوم الثلاثاء تاسع شعبان قدم من الديار المصرية بريدي ومعه تذكرة ورقة فيها السلام على القضاة المستجدين ، وأخبر بعزل القاضي الشافعي ، [ ص: 588 ] والحنفي ، والمالكي ، وأنه ولي قضاء الشافعية القاضي بهاء الدين أبو البقاء السبكي ، وقضاء الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج الحنفي ، وذهب الناس إلى السلام عليهم والتهنئة لهم ، واحتفلوا بذلك ، وأخبروا أن القاضي المالكي سيقدم من الديار المصرية . ولما كان يوم السبت السابع والعشرين من شعبان ، وصل البريد من الديار المصرية ، ومعه تقليدان وخلعتان للقاضي الشافعي والقاضي الحنفي ، فلبسا الخلعتين ، وجاءا من دار السعادة إلى الجامع الأموي ، وجلسا في محراب المقصورة ، وقرأ تقليد قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشافعي الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث على السدة تجاه المحراب ، وقرأ تقليد قاضي القضاة جمال الدين بن السراج الحنفي الشيخ عماد الدين بن السراج المحدث أيضا على السدة ، ثم حكما هنالك ، ثم جاء معا إلى الغزالية ، فدرس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء ، وجلس الحنفي إلى جانبه عن يمينه ، وحضرت عنده ، فأخذ في صيام يوم الشك ، ثم جاءا معا إلى المدرسة النورية ، فدرس بها قاضي القضاة جمال الدين المذكور ، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين ، وذكروا أنه أخذ في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط الآية [ النساء : 135 ] ثم انصرف بهاء الدين إلى المدرسة العادلية الكبيرة ، فدرس بها قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية [ النساء : 58 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان دخل القاضي المالكي من الديار المصرية ، فلبس الخلعة يومئذ ، ودخل المقصورة من الجامع الأموي ، وقرئ هنالك تقليده بحضرة القضاة والأعيان - قرأه الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث - وهو قاضي القضاة شرف الدين أحمد ابن الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن ابن [ ص: 589 ] الشيخ شمس الدين محمد بن عسكر العراقي البغدادي ، قدم الشام مرارا ، ثم استوطن الديار المصرية بعد ما حكم ببغداد نيابة عن قطب الدين الأخوين ، ودرس بالمستنصرية بعد أبيه ، وحكم بدمياط أيضا ، ثم نقل إلى قضاء المالكية بدمشق ، وهو شيخ حسن ، كثير التودد ، ومسدد العبارة ، حسن البشر عند اللقاء ، مشكور ، في مباشرته عفة ونزاهة وكرم ، الله يوفقه ويسدده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية