الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال : الدرجة الثانية : الإحسان في الأحوال . وهو أن تراعيها غيرة . وتسترها [ ص: 431 ] تظرفا ، وتصححها تحقيقا .

يريد بمراعاتها : حفظها وصونها ، غيرة عليها أن تحول . فإنها تمر مر السحاب . فإن لم يرع حقوقها حالت . ومراعاتها : بدوام الوفاء ، وتجنب الجفاء .

ويراعيها أيضا بإكرام نزلها . فإنها ضيف . والضيف إن لم تكرم نزله ارتحل .

ويراعيها أيضا بضبطها ملكة . وشد يده عليها ، وأن لا يسمح بها لقاطع طريق ولا ناهب .

ويراعيها أيضا : بالانقياد إلى حكمها ، والإذعان لسلطانها إذا وافق الأمر .

ويراعيها أيضا : بسترها تظرفا ، وهو أن يسترها عن الناس ما أمكنه . لئلا يعلموا بها . ولا يظهرها إلا لحجة . أو حاجة ، أو مصلحة راجحة . فإن في إظهارها بدون ذلك آفات عديدة . مع تعريضها للصوص والسراق والمغيرين .

وإظهار الحال للناس عند الصادقين : حمق وعجز . وهو من حظوظ النفس والشيطان . وأهل الصدق والعزم لها أستر ، وأكتم من أرباب الكنوز من الأموال لأموالهم ، حتى إن منهم من يظهر أضدادها نفيا وجحدا . وهم أصحاب الملامتية ، ولهم طريقة معروفة . وكان شيخ هذه الطائفة عبد الله بن منازل .

واتفقت الطائفة على أن من أطلع الناس على حاله مع الله : فقد دنس طريقته . إلا لحجة أو حاجة أو ضرورة .

وقوله : وتصحيحها تحقيقا

أي يجتهد في تحقيق أحواله ، وتصحيحها وتخليصها . فإن الحال قد يمتزج بحق وباطل . ولا يميزه إلا أولو البصائر والعلم .

وأهل هذه الطريق يقولون : إن الوارد الذي يبتدئ العبد من جانبه الأيمن والهواتف والخطاب : يكون في الغالب حقا . والذي يبتدئ من الجانب الأيسر : يكون في الغالب باطلا وكذبا . فإن أهل اليمين : هم أهل الحق . وبأيمانهم يأخذون كتبهم . ونورهم الظاهر على الصراط بأيمانهم . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله ، وطهوره وشأنه كله . والله وملائكته يصلون على ميامن [ ص: 432 ] الصفوف . وأخبر أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله . وحظه من ابن آدم جهة الشمال . ولهذا تكون اليد الشمال للاستجمار ، وإزالة النجاسة والأذى . ويبدأ بالرجل الشمال عند دخول الخلاء .

ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد يبقى الإنسان بعد انفصاله نشيطا مسرورا نشوانا : فإنه وارد ملكي ، وكل وارد يبقي الإنسان بعد انفصاله خبيث النفس كسلان ، ثقيل الأعضاء والروح ، يجنح إلى فتور - فهو وارد شيطاني .

ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد أعقب صاحبه تقدما إلى الله تعالى والدار الآخرة ، وحضورا فيها ، حتى كأنه يشاهد الجنة قد أزلفت ، والجحيم قد سعرت - فهو إلهي ملكي ، وخلافه شيطاني نفساني .

ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد كان سببه النصيحة في امتثال الأمر ، والإخلاص والصدق فيه - فهو إلهي ملكي . وإلا فهو شيطاني .

ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد استنار به القلب ، وانشرح له الصدر ، وقوي به [ ص: 433 ] القلب - إلهي ملكي . وإلا فهو شيطاني .

ومن الفرقان أيضا : أن كل وارد جمعك على الله فهو منه . وكل وارد فرقك عنه ، وأخذك عنه : فمن الشيطان .

ومن الفرقان أيضا : أن الوارد الإلهي لا يصرف إلا في قربة وطاعة ، ولا يكون سببه إلا قربة وطاعة ، فمستخرجه الأمر . ومصرفه الأمر ، والشيطاني بخلافه .

ومن الفرقان أيضا : أن الوارد الرحماني لا يتناقض ، ولا يتفاوت ولا يختلف . بل يصدق بعضه بعضا ، والشيطاني بخلافه يكذب بعضه بعضا . والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية