الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن المراد به ذبائحهم ، وقد أذن الله سبحانه في طعامهم : قال لي شيخنا الإمام الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم النابلسي في ذلك كلاما كثيرا ، لبابه : أن الله سبحانه قد أذن في طعامهم ، وقد علم أنهم يسمون غيره على ذبائحهم ، ولكنهم لما تمسكوا بكتاب الله وعلقوا بذيل نبي جعلت لهم حرمة على أهل الأنصاب . وقد قال مالك : " تؤكل ذبائحهم المطلقة إلا ما ذبحوا يوم عيدهم أو لأنصابهم " .

                                                                                                                                                                                                              وقال جماعة العلماء : تؤكل ذبائحهم وإن ذكروا عليها اسم غير المسيح ، وهي مسألة حسنة نذكر لكم منها قولا بديعا : وذلك أن الله سبحانه حرم ما لم يسم الله عليه من الذبائح ، وأذن في طعام أهل الكتاب وهم يقولون : [ إن ] الله هو المسيح ابن مريم ، وإنه ثالث ثلاثة . تعالى الله [ ص: 43 ] عن قولهم علوا كبيرا .

                                                                                                                                                                                                              فإن لم يذكروا اسم الله سبحانه أكل طعامهم ، وإن ذكروا فقد علم ربك ما ذكروا ، وأنه غير الإله ، وقد سمح فيه فلا ينبغي أن يخالف أمر الله ، ولا يقبل عليه ، ولا تضرب الأمثال له .

                                                                                                                                                                                                              وقد قلت لشيخنا أبي الفتح المقدسي : إنهم يذكرون غير الله . فقال لي : هم من آبائهم ، وقد جعلهم الله تبعا لمن كان قبلهم مع علمه بحالهم . وبهذا استدل بعض الشافعية على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط ; قال : لو سمى النصراني الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على شرط العبادة ; لأنهم لا يعرفون المعبود ، فليست تسميتهم على طريق العبادة ، واشتراطهم التسمية على غير وجه العبادة لا يعقل . قلنا : تعقل صورة التسمية ، ولها حرمة ، وإن لم يعلم المسمي من يسمي .

                                                                                                                                                                                                              ولو شرطنا العلم بحقيقة الإيمان ما جاز أكل كثير من ذبح من يسمي من المسلمين ، وإنما حرم الشرع ذبحا يذكر عليه غير الله تصريحا . فأما من يقصد الله فيصيب قصده فهو الذي لا كلام فيه .

                                                                                                                                                                                                              وأما الذي يسميه فيخطئ قصده فذلك الذي رخص فيه ; فإذا قال " الله " وهو يقصد المسيح ، أو المسيح وهو يقصد الله فيرجع أمره إلى الله سبحانه ، ولكنه ضل عن الطريق وسمح لك فيه الإله الذي ضل أهل الكتاب عنه ، وخفف حالهم بهذه الشعبة الخفية من القصد إليه ، فلا يعترض عليه .

                                                                                                                                                                                                              [ فإن قيل : فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس ؟ فالجواب : أن هذه ميتة ، وهي حرام بالنص ، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير فإنه حلال لهم ، ومن طعامهم ، وهو حرام علينا ، فهذه أمثلة والله أعلم ] .

                                                                                                                                                                                                              وأما ذبائح الكتابيين فقد سئل أبو الدرداء عما يذبح لكنيسة اسمها سرجس ، فأمر بأكله ، ولذلك قال عبادة بن الصامت وقال الشافعي وعطاء : تؤكل ذبائحهم ، وإن [ ص: 44 ] ذكر غير الله عليها ، وهذا ناسخ لقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا في القسم الثاني أنه ليس بنسخ ، وسنشير إليه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية