الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 1022 ) حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن يحيى بن العلاء ، عن عمه شعيب بن خالد ، عن حنظلة بن سبرة بن المسيب بن نجية ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس ، قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى يئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ عليا ، فقال : إني والله ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسها إلا عليك فقال له علي : فلم تر ذلك ؟ فوالله ما أنا بأحد الرجلين ، ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي ، وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء ، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه - يعني يتألفه بها - [ ص: 411 ] إني لأول من أسلم ، فقال سعد : فإني أعزم عليك لتفرجنها عني ، فإن لي في ذلك فرجا ، قال : أقول ماذا ؟ قال : تقول : جئت خاطبا إلى الله ورسوله فاطمة بنت محمد ، قال : فانطلق علي وهو ثقيل حصر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " كأن لك حاجة يا علي ؟ " ، قال : أجل جئتك خاطبا إلى الله وإلى ورسوله فاطمة بنت محمد ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " مرحبا " كلمة ضعيفة ، ثم رجع إلى سعد بن معاذ ، فقال له : قد فعلت الذي أمرتني به ، فلم يزد على أن رحب بي كلمة ضعيفة ، فقال سعد : أنكحك والذي بعثه بالحق ، إنه لا خلف الآن ، ولا كذب عنده ، وأعزم عليك لتأتينه غدا ، فلتقولن يا نبي الله ، متى تبنيني ؟ فقال علي : هذه أشد علي من الأولى ، أولا أقول : يا رسول الله حاجتي قال : قل كما أمرتك ، فانطلق علي ، فقال : يا رسول الله متى تبنيني ؟ ، قال : الليلة إن شاء الله ، ثم دعا بلالا فقال : " يا بلال ، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحب أن يكون من سنة أمتي الطعام عند النكاح ، فائت المغنم فخذ شاة وأربعة أمداد ، واجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت فآذني بها " فانطلق ففعل ما أمره ، ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رأسها ، وقال : " أدخل الناس علي زقة زقة ولا تغادرون زقة إلى غيرها " ، يعني إذا فرغت زقة ، فلا تعودن ثانية فجعل الناس يردون كلما فرغت زقة وردت أخرى حتى فرغ الناس ، ثم عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فضل منها فتفل فيها وبارك وقال : " يا بلال احملها إلى أمهاتك وقل لهن : كلن وأطعمن من غشيكن " ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل على النساء فقال : إني زوجت بنتي ابن عمي ، وقد علمتن منزلتها مني وأنا دافعها إليه ، فدونكن ابنتكن ، فقمن النساء فغلفنها من طيبهن ، وألبسنها من ثيابهن ، وحلينها من حليهن " ثم إن النبي [ ص: 412 ] صلى الله عليه وسلم دخل ، فلما رأينه النساء ذهبن وبينهن وبين النبي صلى الله عليه وسلم ستر وتخلفت أسماء بنت عميس ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك : " من أنت ؟ " قالت : أنا التي أحرس ابنتك ، إن الفتاة ليلة تبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها ، إن عرضت لها حاجة ، أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها قال : " فإني أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك من الشيطان الرجيم " ثم صرخ بفاطمة فأقبلت ، فلما رأت عليا جالسا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حصرت وبكت فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بكاؤها ؛ لأن عليا لا مال له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يبكيك ؟ فما ألوتك في نفسي وقد أصبت لك خير أهلي وايم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سعيدا في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين " فلان منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسماء ائتيني بالمخضب فاملئيه ماء " فأتت أسماء بالمخضب فملأته فمج النبي صلى الله عليه وسلم فيه ومسح فيه وجهه وقدميه ثم دعا فاطمة ، فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها وكفا بين ثدييها ثم رش جلده وجلدها ، ثم التزمها فقال اللهم : " إنهما مني وأنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني فطهرهما " ثم دعا بمخضب آخر ، ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها ثم دعا له كما دعا لها ثم قال لهما : " قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما وبارك في سيركما وأصلح بالكما " ثم قام فأغلق عليهما بابه بيده . قال ابن عباس : فأخبرتني أسماء بنت عميس أنها رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته صلى الله عليه وسلم .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية