الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 153 ) حدثنا عبدان بن أحمد ، ثنا زيد بن الحريش ، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، ثنا أبو سعد البقال ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه الأسود ، قال : قلت : يا أم المؤمنين ، أو يا أمتاه ألا تحدثيني كيف كان - يعني : أمر الإفك ؟ - ، قالت : تزوجني رسول الله عليه السلام وأنا أخوض المطر بمكة ، وما عندي ما يرغب فيه الرجال وأنا بنت ست سنين ، [ ص: 119 ] فلما بلغني أنه تزوجني ألقى الله علي الحياء ، ثم أن رسول الله - عليه السلام - هاجر وأنا معه ، فاحتملت إليه وقد جاءني وأنا بنت تسع سنين ، فسار رسول الله مسيرا فخرج بي معه ، وكنت خفيفة في حدجة لي عليها ستور ، فإذا ارتحلوا جلست عليها واحتملوا وأنا فيها ، فشدوها على ظهر البعير فنزلوا منزلا وخرجت لحاجتي ، فرجعت وقد بادروا بالرحيل ، فجلست في الحداجة وقد رأوني حين حركت الستور ، فلما جلست فيها ضربت بيدي على صدري فإذا قد نسيت قلادة كانت معي ، فخرجت مسرعة أطلبها ، فرجعت فإذا القوم قد ساروا فإذا أنا لا أرى إلا الغبار من بعيد ، فإذا هم قد وضعوا الحداجة على ظهر البعير لا يروني إلا أني فيها لما رأوا من خفتي ، فإذا رجل آخذ برأس بعيره ، فقلت : من الرجل ؟ ، قال : صفوان بن المعطل السلمي ، أم المؤمنين أنت ؟ ، قلت : نعم ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قلت : أدر عني وجهك وضع رجلك على ذراع بعيرك ، قال : أفعل ونعمة عين وكرامة ، قالت : فأدركت الناس حين نزلوا ، فذهب فوضعني عند الحداجة ، فنظر إلي الناس ولا أشعر ، قالت : وأنكرت لطف أبوي وأنكرت رسول الله ولا أعلم ما قد كان قيل حتى دخلت خادمتي أو ربيبتي فقالت : كذا ، قالت : وقال لي رجل من المهاجرين : ما أغفلك ؟ ، فأخذتني حمى نافض ، فأخذت أمي كل ثوب في البيت فألقته علي ، فاستشار رسول الله أناسا من أصحابه ، فقال : " ما ترون ؟ " ، فقال بعضهم : ما أكثر النساء وتقدر على البدل ، وقال بعضهم : أنت رسول الله وعليك ينزل الوحي وأمرنا لأمرك تبع ، وقال بعضهم : والله ليبيننه الله فلا تعجل ، قالت : وقد صار وجه أبي كأنه صب عليه الزرنيخ ، قالت : فدخل علي رسول الله فرأى ما بي ، قال : " ما لهذه ؟ " ، قالت أمي : [ ص: 120 ] مما لهذه مما قلتم وقيل ، فلم يتكلم ولم يقل شيئا ، قالت : فزادني ذلك على ما عندي ، قالت : وأتاني فقال : " اتقي الله يا عائشة ، وإن كنت قارفت من هذا شيئا فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات " ، قالت : وطلبت اسم يعقوب فلم أقدر عليه ، فقلت : غير أني أقول كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، قالت : فبينا رسول الله مع أصحابه ووجهه كأنما ذيب عليه الزرنيخ حتى نزل عليه الوحي ، وكان إذا أوحي إليه لم يطرف ، فعرف أصحابه أنه يوحى إليه وجعلوا ينظرون إلى وجهه ، وهو يتهلل ويسفر ، فلما قضي الوحي ، قال : " أبشر يا أبا بكر ، قد أنزل الله عذر ابنتك وبراءتها " فانطلق إليها فبشرها ، قالت : وقرأ عليه ما نزل في ، قالت : وأقبل أبو بكر مسرعا يكاد أن ينكب ، قالت : فقلت بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي جئت من عنده ، فجاء رسول الله فجلس عند رأسي فأخذ بكفي فانتزعت يدي منه ، فضربني أبو بكر ، وقال : أتنزعين كفك من رسول الله ؟ أو برسول الله تفعلين هذا ؟ فضحك رسول الله ، قالت : فهذا كان أمري .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية