الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 384 ] حديث سابع وأربعون من البلاغات

مالك ، أنه بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وسلف .

التالي السابق


وهذا الحديث محفوظ من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث صحيح ، رواه الثقات ، عن عمرو بن شعيب ، وعمرو بن شعيب ثقة إذا حدث عنه ثقة ، وإنما دخلت أحاديثه الداخلة من أجل رواية الضعفاء عنه ، والذي يقول إن روايته عن أبيه ، عن جده صحيفة ، يقول إنها مسموعة صحيحة ، وكتاب عبد الله بن عمرو ( عن ) جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشهر ، عند أهل العلم ، وأعرف من أن يحتاج إلى أن يذكر هاهنا ، ويوصف ، وقد ذكرناه من طرق في كتاب العلم ، والحمد لله .

وحديث عمرو بن شعيب هذا حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن زهير قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن عمرو بن شعيب قال : حدثني أبي ، عن جدي حتى ذكر عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : لا يحل بيع ، وسلف ، ولا شرطان في بيع ، ولا بيع ما ليس عندك .

[ ص: 385 ] قال أبو عمر :

أجمع العلماء على أن من باع بيعا على شرط سلف يسلفه ، أو يستسلفه ، فبيعه فاسد مردود إلا أن مالكا في المشهور من مذهبه يقول في البيع ، والسلف إنه إذا طاع الذي اشترط السلف بترك سلفه فلم يقبضه ، جاز البيع .

هذا قوله في موطئه ، وتحصيل مذهبه ، عند أصحابه ، أن البائع إذا أسلف المشتري مع السلعة ذهبا أو ورقا معجلا ، وأدرك ذلك فسخ ، وإن فاتت رد المشتري السلعة ، ورجع عليه بقيمة سلعته يوم قبضها ما بينه وبين ما باعها به فأدنى من ذلك ، فإن زادت قيمتها على الثمن الذي باعها به ، لم يرد عليه شيئا ; لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا ، ولو أن المشتري كان هو الذي أسلف البائع ، فسخ البيع أيضا بينهما ، ورجع البائع بقيمة سلعته بالغا ما بلغت ، إلا أن تنقص قيمتها من الثمن ، فلا ينقص المشتري من الثمن ; لأنه قد رضي به على أن أسلف معه سلفا .

وقال محمد بن مسلمة من باع عبدا بمائة دينار ، وشرط أنه يسلفه سلفا ، فإن البيع مفسوخ إلا أن يقول المشتري : لا حاجة لي بالسلف قبل أن يقبضه ، فيجوز البيع .

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، لا يجوز البيع ، وإن رضي مشترط السلف بترك السلف ، وهو قول الشافعي ، وجمهور العلماء ; لأن البيع ، وقع فاسدا فلا يجوز ، وإن أجيز .

[ ص: 386 ] وقال الأبهري قد روى بعض المدنيين ، عن مالك أنه لا يجوز ، وإن ترك السلف قال : وهو القياس أن يكون عقد البيع فاسدا في اشتراط السلف كالبيع في الخمر والخنزير ; لأن البيع قد وقع فاسدا في عقده فلا بد من فسخه إلا أن يفوت ، فيرد السلف ، ويصلح بالقيمة .

وقد سأل محمد بن أحمد بن سهل البركاني إسماعيل بن إسحاق القاضي عن الفرق بين البيع والسلف ، وبين رجل باع غلاما بمائة دينار ، وزق خمر ، أو شيء حرام ، ثم قال : أنا أدع الزق ، أو الشيء الحرام قبل أن يأخذه ، وهذا البيع مفسوخ ، عند مالك غير جائز ، فقال إسماعيل : الفرق بينهما أن مشترط السلف هو مخير في أخذه أو تركه ، وليس مسألتك كذلك ، ولو قال : أبيعك غلامي بمائة دينار على أني إن شئت أن تزيدني زق خمر زدتني ، وإن شئت تركته ، ثم ترك الزق خمر جاز البيع ، ولو أخذه فسخ البيع بينهما فهذا مثل مسألة البيع ، والسلف . هذا معنى كلام إسماعيل .

وكان سحنون يقول : إنما يصح البيع في ذلك إذا لم يقبض السلف ، وترك ، وأما إذا قبض السلف ، فقد تم الربا بينهما ، والبيع حينئذ حرام مفسوخ على كل حال .

وقال يحيى بن عمر سحنون أصلحه بترك السلف ، وإنما كان يرد السلف .

وقال الفضل بن سلمة : وكذلك قرأناه على يحيى بن عمر إذا رد السلف .

[ ص: 387 ] قال أبو عمر :

ما حكاه الفضل فيشبه أن يكون في غير الموطأ ، وأما لفظ الموطأ من رواية القعنبي ، وابن القاسم ، وابن بكير ، وابن وهب ، ويحيى بن يحيى ، فإنما هو قال مالك : فإن ترك السلف جاز البيع وترك غير رد ; لأن الرد لا يكون إلا بعد القبض ، وإذا قبض السلف ، فهو كما قال : سحنون ، وإن كان من أصل مالك إجازة بيوع ، وقعت فاسدة ، ثم أدركها الإصلاح كبيع الغاصب يخبره بعد العقد مالكه ، ونحو هذا ، وكذلك نكاح العبد عنده موقوف على إجازة سيده .




الخدمات العلمية