الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عزل يوسف بن عمر عن العراق

ولما قتل الوليد استعمل يزيد على العراق منصور بن جمهور ، وكان قد ندب قبله إلى ولاية العراق عبد العزيز بن هارون بن عبد الله بن دحية بن خليفة الكلبي ، فقال : لو كان معي جند لقبلت . فتركه واستعمل منصورا ، ولم يكن منصور من أهل الدين ، وإنما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية ، وحمية لقتل يوسف خالدا القسري ، فشهد لذلك قتل الوليد ، وقال له لما ولاه العراق : اتق الله واعلم أني إنما قتلت الوليد لفسقه ولما أظهر من الجور ، فلا تركب مثل ما قتلناه عليه .

ولما بلغ يوسف بن عمر قتل الوليد عمد إلى من بحضرته من اليمانية فسجنهم ، ثم جعل يخلو بالرجل بعد الرجل من المضرية فيقول : ما عندك إن اضطرب الحبل ؟ فيقول المضري : أنا رجل من أهل الشام أبايع من بايعوا وأفعل ما فعلوا . فلم ير عندهم ما يحب فأطلق اليمانية .

وأقبل منصور ، فلما كان بعين التمر كتب إلى من بالحيرة من قواد أهل الشام يخبرهم بقتل الوليد وتأميره على العراق ويأمرهم بأخذ يوسف وعماله ، وبعث الكتب كلها إلى سليمان بن سليم بن كيسان ليفرقها على القواد ، فحبس الكتب وحمل كتابه فأقرأه يوسف بن عمر ، فتحير في أمره وقال لسليمان : ما الرأي ؟ قال : ليس لك إمام تقاتل معه ، ولا يقاتل أهل الشام معك ، ولا آمن عليك منصورا ، وما الرأي إلا أن تلحق بشامك . قال : فكيف الحيلة ؟ قال : تظهر الطاعة ليزيد وتدعو له في خطبتك ، فإذا قرب منصور تستخفي عندي وتدعه والعمل . ثم مضى سليمان إلى عمرو بن محمد بن سعيد بن العاص فأخبره بأمره وسأله أن يئوي يوسف بن عمر عنده ، ففعل ، فانتقل [ ص: 312 ] يوسف إليه ، قال : فلم ير رجل كان [ له ] مثل عتوه خاف خوفه .

وقدم منصور الكوفة فخطبهم وذم الوليد ويوسف ، وقامت الخطباء فذموهما معه ، فأتى عمرو بن محمد إلى يوسف فأخبره ، فجعل لا يذكر رجلا ممن ذكره بسوء إلا قال : لله علي أن أضربه كذا وكذا سوطا ! فجعل عمرو يتعجب من طمعه في الولاية وتهدده الناس .

وسار يوسف من الكوفة سرا إلى الشام فنزل البلقاء ، فلما بلغ خبره يزيد بن الوليد وجه إليه خمسين فارسا ، فعرض رجل من بني نمير ليوسف فقال : يابن عمر والله مقتول فأطعني وامتنع . قال : لا . قال : فدعني أقتلك أنا ، ولا تقتلك هذه اليمانية فتغيظنا في قتلك . قال : ما لي فيما عرضت جنان . قال : فأنت أعلم .

فطلبه المسيرون لأخذه فلم يروه ، فهددوا ابنا له ، فقال : إنه انطلق إلى مزرعة له ، فساروا في طلبه ، فلما أحس بهم هرب وترك نعليه ، ففتشوا عنه فوجدوه بين نسوة قد ألقين عليه قطيفة خز ، وجلسن على حواشيها حاسرات ، فجروا برجله وأخذوه وأقبلوا به إلى يزيد ، فوثب عليه بعض الحرس فأخذ بلحيته ونتف بعضها ، وكان من أعظم الناس لحية وأصغرهم قامة ، فلما أدخل على يزيد قبض على لحية نفسه ، وهي إلى سرته ، فجعل يقول : يا أمير المؤمنين نتف والله لحيتي فما أبقى فيها شعرة ! فأمر به فحبس بالخضراء ، فأتاه إنسان فقال له : أما تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت فيلقي عليك حجرا فيقتلك ؟ فقال : ما فطنت لهذا . فأرسل إلى يزيد يطلب منه أن يحول إلى حبس غير الخضراء وإن كان أضيق منه . فعجب من حمقه ، فنقله وحبسه مع ابني الوليد ، فبقي في الحبس ولاية يزيد وشهرين وعشرة أيام من ولاية إبراهيم ، فلما قرب مروان من دمشق ولى قتلهم يزيد بن خالد القسري مولى لأبيه خالد يقال له أبو الأسد .

ودخل منصور بن جمهور لأيام خلت من رجب ، فأخذ بيوت الأموال وأخرج العطاء والأرزاق وأطلق من كان في السجون من العمال وأهل الخراج ، وبايع ليزيد بالعراق وأقام بقية رجب وشعبان ورمضان ، وانصرف لأيام بقين منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية