الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الدعاء للميت وما ورد فيه

                                                                                                                                            1430 - ( عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء } رواه أبو داود وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            1431 - ( وعن أبي هريرة قال { : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة قال : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ; اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان } رواه أحمد والترمذي ، ورواه أبو داود وابن ماجه ، وزاد " اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث الأول أخرجه أيضا ابن حبان وصححه والبيهقي وفي إسناده ابن إسحاق وقد عنعن ولكن أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عنه مصرحا بالسماع . والحديث الثاني [ ص: 78 ] أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم وقال : وله شاهد صحيح من حديث عائشة نحوه . وأخرج هذا الشاهد الترمذي وأعله بعكرمة بن عمار ، وفي إسناد حديث الباب يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة . قال أبو حاتم : الحفاظ لا يذكرون أبا هريرة إنما يقولون أبو سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، ولا يوصله بذكر أبي هريرة إلا غير متقن ، والصحيح أنه مرسل وقال الترمذي : روى هذا الحديث هشام الدستوائي وعلي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ا هـ .

                                                                                                                                            وقد رواه يحيى بن أبي كثير من حديث أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة ، أخرجه من هذا الوجه أحمد والنسائي والترمذي وقال : حسن صحيح ، وقال : أصح الروايات في هذا يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه ، وسألته عن اسم أبي إبراهيم فلم يعرفه . وقال أبو حاتم : أبو إبراهيم مجهول ا هـ ولكن جهالة الصحابي غير قادحة .

                                                                                                                                            وقد أخرجه الترمذي والحاكم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة ، ولكن في إسناد هذه الطريق عكرمة بن عمار كما تقدم . وأخرجه أيضا الترمذي عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد توهم بعض الناس أن أبا إبراهيم الأشهلي هو عبد الله بن أبي قتادة . قال الحافظ وهو غلط ; لأن أبا إبراهيم من بني عبد الأشهل وأبو قتادة من بني سلمة .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي أنه سمع { رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته على الجنازة يقول : اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لها } وعن عوف بن مالك وواثلة وسيأتيان قوله : ( فأخلصوا له الدعاء ) فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة ، وأنه ينبغي للمصلي على الميت أن يخلص الدعاء له ، سواء كان محسنا أو مسيئا ، فإن ملابس المعاصي أحوج الناس إلى دعاء إخوانه المسلمين وأفقرهم إلى شفاعتهم ولذلك قدموه بين أيديهم ، وجاءوا به إليهم ، لا كما قال بعضهم : إن المصلي يلعن الفاسق ويقتصر في الملتبس على قوله : " اللهم إن كان محسنا فزده إحسانا ، وإن كان مسيئا فأنت أولى بالعفو عنه " فإن الأول من إخلاص السب لا من إخلاص الدعاء ، والثاني من باب التفويض باعتبار المسيء لا من باب الشفاعة والسؤال وهو تحصيل للحاصل ، والميت غني عن ذلك قوله : ( فأحيه على الإسلام ) هذا اللفظ هو الثابت عند الأكثر ، وفي سنن أبي داود " فأحيه على الإيمان وتوفه على الإسلام "

                                                                                                                                            واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعية غير المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى ، واختلاف الأحاديث في ذلك محمول على أنه كان يدعو لميت بدعاء ولآخر [ ص: 79 ] بآخر ، والذي أمر به صلى الله عليه وسلم إخلاص الدعاء . فائدة : إذا كان المصلى عليه طفلا استحب أن يقول المصلي " اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا " روي ذلك عن البيهقي من حديث أبي هريرة ، وروى مثله سفيان في جامعه عن الحسن .

                                                                                                                                            1432 - ( وعن عوف بن مالك قال { : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر له وارحمه ، واعف عنه وعافه وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بماء وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب النار قال عوف : فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الميت } رواه مسلم والنسائي ) .

                                                                                                                                            1433 - ( وعن واثلة بن الأسقع قال { : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول : اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحمد ، اللهم فاغفر له وارحمه ، إنك أنت الغفور الرحيم } رواه أبو داود ) الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي مختصرا . والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن ماجه ، وسكت عنه أبو داود والمنذري ، وفي إسناده مروان بن جناح وفيه مقال قوله : ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ) وكذلك قوله : " فسمعته " وفي رواية لمسلم من حديث عوف " فحفظت من دعائه " جميع ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالدعاء ، وهو خلاف ما صرح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء ، وقد قيل : إن جهره صلى الله عليه وسلم بالدعاء لقصد تعليمهم . وأخرج أحمد عن " جابر قال { ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله } صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر " وفسر أباح بمعنى قدر . قال الحافظ : والذي وقفت عليه باح بمعنى جهر ، والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء جائزان قوله : ( واغسله بماء وثلج . . . إلخ ) هذه الألفاظ قد تقدم شرحها في الصلاة . واعلم أنه لم يرد تعيين موضع هذه الأدعية ، فإن شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة ، [ ص: 80 ] إما بعد فراغه من التكبير ، أو بعد التكبيرة الأولى أو الثانية أو الثالثة ، أو يفرقه بين كل تكبيرتين ، أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الأدعية ليكون مؤديا لجميع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى الآتي فليس فيه أنه لم يدع إلا بعد التكبيرة الرابعة إنما فيه أنه دعا بعدها ، وذلك لا يدل على أن الدعاء مختص بذلك الموضع

                                                                                                                                            قوله : ( إن فلان ابن فلان ) فيه دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه ، وهذا إن كان معروفا ، وإلا جعل مكان ذلك : اللهم إن عبدك هذا أو نحوه ، والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرا أو أنثى ، ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أنثى ; لأن مرجعها الميت ، وهو يقال على الذكر والأنثى .

                                                                                                                                            1434 - ( وعن عبد الله بن أبي أوفى { أنه ماتت ابنة له ، فكبر عليها أربعا ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو ، ثم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا } رواه أحمد وابن ماجه بمعناه ) .

                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا البيهقي في السنن الكبرى . وفي رواية كبر أربعا حتى ظننت أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله فلما انصرف قلنا له : ما هذا ؟ فقال : إني لا أزيد على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ، وهكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم : هذا حديث صحيح ، وفيه دليل على استحباب الدعاء بعد التكبيرة الآخرة قبل التسليم . وفيه خلاف ، والراجح الاستحباب لهذا الحديث

                                                                                                                                            وقال الشافعي في كتاب البويطي : إنه يقول بعدها : " اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده " وقال أبو علي بن أبي هريرة : كان المتقدمون يقولون في الرابعة : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وقال الهادي والقاسم : إنه يقول بعد الرابعة : سبحان من سبحت له السموات والأرضون ، سبحان ربنا الأعلى سبحانه وتعالى ، اللهم هذا عبدك وابن عبدك وقد صار إليك ، وقد أتيناك مستشفعين له ، سائلين له المغفرة ، فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته ، وألحقه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم وسع عليه قبره ، وأفسح له أمره ، وأذقه عفوك ورحمتك يا أكرم الأكرمين ، اللهم ارزقنا حسن الاستعداد لمثل يومه ، ولا تفتنا بعده ، واجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك ، ثم يكبر الخامسة ثم يسلم .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية