الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            6679 عن جابر بن عبد الله قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم . قال لي أبي : يا جابر ، لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فإني والله لولا [ أني ] أترك بنات لي بعدي لأحببت أن تقتل بين يدي . قال : فبينا أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة لندفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي : [ ألا ] إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمركما أن ترجعوا بالقتلى فيدفنوا في مصارعهما ، حيث قتلوا ، فرجعناهما ، فدفناهما حيث قتلا . فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل ، فقال : يا جابر بن عبد الله ، لقد أثار أباك عمال معاوية [ فبدا ] ؛ فخرج طائفة منه ، فأتيته ، فوجدته على النحو الذي دفنته لم يتغير إلا ما لم يدع القتل [ ص: 136 ] أو القتيل . فواريته . قال : وترك أبي دينا عليه من التمر فاشتد علي بعض غرمائه في التقاضي ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا نبي الله ، إن أبي أصيب يوم كذا وكذا وعليه دين من التمر ، وقد اشتد علي بعض غرمائه في التقاضي فأحب أن تعينني عليه لعله أن ينظرني طائفة من نخله إلى هذا الصرام المقبل . قال : " نعم آتيك إن شاء الله قريبا من وسط النهار " . فجاء ، وجاء معه حواريوه ، وقد استأذن ، ودخل ، وقد قلت لامرأتي : إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جاء اليوم فلا أريتك ، ولا تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي في شيء ، ولا تكلميه ، فدخل ، ففرشت له فراشا ووسادة ، فوضع رأسه فنام .

                                                                                            قال : وقلت لمولى لي : اذبح هذه العناق وهي داجن سمينة ، والوحاء والعجل ، افرغ منها قبل أن يستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا معك . فلم يزل فيها حتى فرغنا ، وهو نائم ، فقلت له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ يدعو بالطهور ، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه إلا والعناق بين يديه . فلما قام قال : " يا جابر ، ائتني بطهور " . فلم يفرغ من طهوره حتى وضعت العناق عنده فنظر إلي فقال : " كأنك قد علمت حبنا اللحم ، ادع إلي أبا بكر " . قال : ثم جاء حواريوه الذين كانوا عنده ، فدخلوا فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وقال : " بسم الله كلوا " . فأكلوا حتى شبعوا ، وفضل لحم كثير قال : والله إن مجلس بني سلمة لينظرون إليه ، وهو أحب إليهم من أعينهم ما يقربه أحد منهم مخافة أن يؤذوه ، فلما فرغ قام وقام أصحابه ، فخرجوا بين يديه ، وكان يقول : " خلوا ظهري للملائكة " . واتبعتهم حتى بلغوا أسكفة الباب قال : وأخرجت امرأتي صدرها ، وكانت مستترة بسفيف في البيت فقالت : يا رسول الله صل علي وعلى زوجي صلى الله عليك . فقال : " صلى الله عليك وعلى زوجك " . ثم قال : " ادع لي فلانا " لغريمي الذي اشتد علي في الطلب قال : فجاء ، فقال : " أيسر جابر بن عبد الله - يعني إلى الميسرة - طائفة من دينك الذي على أبيه إلى هذا الصرام المقبل " . قال : ما أنا بفاعل . واعتل ، وقال : إنما هو مال يتامى . فقال : " أين جابر ؟ " . فقال : أنا ذا يا رسول الله ، قال : " كل له ، فإن الله عز وجل سوف يوفيه " . فنظرت إلى السماء ، فإذا [ ص: 137 ] الشمس قد دلكت قال : " الصلاة يا أبا بكر " ، فاندفعوا إلى المسجد ، قلت : قرب أوعيتك . فكلت له من العجوة ، فوفاه الله عز وجل وفضل لنا من التمر كذا وكذا ، فجئت أسعى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ في مسجده ] كأني شرارة ، فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : يا رسول الله ، ألم تر أني كلت لغريمي تمره ، فوفاه الله عز وجل ، وفضل لنا من التمر كذا وكذا ، فقال : أين عمر بن الخطاب ؟ " . فجاء يهرول ، فقال : " سل جابر بن عبد الله عن غريمه وتمره " . فقال : ما أنا بسائله ، قد علمت أن الله عز وجل سوف يوفيه إذ أخبرت [ أن الله عز وجل سوف يوفيه ] ، فكرر عليه الكلمة ثلاث مرات كل ذلك يقول : ما أنا بسائله . وكان لا يراجع بعد المرة الثالثة . فقال : " يا جابر ، ما فعل غريمك وتمرك ؟ " . قال : قلت : وفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا . فرجع إلى امرأته ، وقال : ألم أنهك أن تكلمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : كنت تظن أن الله عز وجل يورد رسوله بيتي ، ثم يخرج ، ولا أسأله الصلاة علي ، وعلى زوجي قبل أن يخرج
                                                                                            ؟ .

                                                                                            قلت : هو في الصحيح ، وغيره باختصار .

                                                                                            رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح خلا نبيح العنزي ، وهو ثقة .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية