الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        167 140 - وذكر عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الصلاة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        4286 - قال أبو عمر : معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره - خضوع ، واستكانة ، وابتهال ، وتعظيم لله تعالى ، واتباع لسنة رسوله - عليه السلام - ، وليس بواجب ، والتكبير [ ص: 98 ] في كل رفع وخفض أوكد منه .

                                                                                                                        4287 - وقد قال بعض العلماء : إنه من زينة الصلاة .

                                                                                                                        4288 - ذكر ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري ، أن عبد الله بن عمر كان يقول : لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة التكبير ، ورفع الأيدي فيها .

                                                                                                                        4289 - وعن ابن لهيعة ، عن ابن عجلان ، عن النعمان بن أبي عياش - كان يقال : لكل شيء زينة ، وزينة الصلاة التكبير ، ورفع الأيدي عند الافتتاح ، وحين يريد أن يركع ، وحين يريد أن يرفع .

                                                                                                                        4290 - وقال عقبة بن عامر له : بكل إشارة عشر حسنات ، بكل إصبع حسنة . وقد ذكرت الإسناد عن عقبة بن عامر بذلك في التمهيد .

                                                                                                                        4291 - واختلف العلماء في رفع الأيدي في الصلاة وعند الركوع ، وعند رفع الرأس من الركوع ، وعند السجود والرفع منه - بعد إجماعهم على جواز رفع الأيدي [ ص: 99 ] عند افتتاح الصلاة مع تكبيرة الإحرام .

                                                                                                                        4292 - فقال مالك فيما روى عنه ابن القاسم : يرفع للإحرام عند افتتاح الصلاة ، ولا يرفع في غيرها .

                                                                                                                        4293 - قال : وكان مالك يرى رفع اليدين في الصلاة ضعيفا .

                                                                                                                        4294 - وقال : إن كان ففي الإحرام .

                                                                                                                        4295 - وهو قول الكوفيين : أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وسائر فقهاء الكوفة قديما وحديثا . وهو قول ابن مسعود وأصحابه والتابعين . بها .

                                                                                                                        4296 - وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي : لا أعلم مصرا من الأمصار [ ص: 100 ] تركوا بأجمعهم رفع اليدين عند الخفض والرفع في الصلاة إلا أهل الكوفة ; فكلهم لا يرفع إلا في الإحرام .

                                                                                                                        4297 - وذكر ابن خويز منداد ، قال : اختلفت الرواية عن مالك في رفع اليدين في الصلاة ; فمرة قال : يرفع في كل خفض ورفع على حديث ابن عمر ، ومرة قال : لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام ، ومرة قال : لا يرفع أصلا . والذي عليه أصحابنا أن الرفع عند الإحرام لا غير .

                                                                                                                        4298 - قال أبو عمر : وحجة من ذهب مذهب ابن القاسم في روايته عن مالك في ذلك - حديث ابن مسعود ، وحديث البراء بن عازب ، عن النبي - عليه السلام - أنه كان يرفع عند الإحرام مرة ، لا يزيد عليها [ ص: 101 ] 4299 - وبعض رواتهما يقول : كان لا يرفع في الصلاة إلا مرة ، ( وبعضهم يقول : كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ) .

                                                                                                                        4300 - وقد ذكرنا الحديثين من طرق في التمهيد ، وذكرنا العلة عن العلماء فيهما هنا .

                                                                                                                        4301 - وروى أبو مصعب وابن وهب عن مالك ; أنه كان يرفع يديه إذا أحرم ، وإذا ركع ، وإذا رفع من الركوع على حديث ابن عمر .

                                                                                                                        4302 - وقد ذكرنا الأسانيد عنهم بذلك عن مالك في التمهيد .

                                                                                                                        4303 - ورواه أيضا عن مالك الوليد بن مسلم ، وسعيد بن أبي مريم ، وقال : ابن عبد الحكم : لم يرو أحد عن مالك مثل رواية ابن القاسم في رفع اليدين .

                                                                                                                        4304 - قال محمد : والذي آخذ به أن أرفع على حديث ابن عمر .

                                                                                                                        4305 - وذكر أحمد بن سعيد ، عن أحمد بن خالد ، قال : كان عندنا جماعة من علمائنا يرفعون أيديهم في الصلاة على حديث ابن عمر ، ورواية من روى ذلك عن مالك ، وجماعة لا يرفعون إلا في الإحرام على رواية ابن القاسم . فما عاب هؤلاء على هؤلاء ، ولا هؤلاء على هؤلاء .

                                                                                                                        [ ص: 102 ] 4306 - وسمعت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الله بن هاشم يقول : كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا يرفع يديه كلما خفض ورفع ، على حديث ابن عمر في الموطأ ، وكان أفضل من رأيت ، وأفقههم ، وأصحهم علما . فقلت لأبي عمر : لم لا ترفع فنقتدي بك ؟ قال : لا أخالف رواية ابن القاسم ; لأن الجماعة عندنا اليوم عليها ، ومخالفة الجماعة فيما أبيح لنا ليست من شيم الأئمة .

                                                                                                                        4307 - وقال الأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وإسحاق ، ومحمد بن جرير الطبري ، وجماعة أهل الحديث بالرفع على حديث ابن عمر ، إلا أن من أهل الحديث من يرفع عند السجود والرفع منه على حديث وائل بن حجر ، وعن [ ص: 103 ] النبي - عليه السلام - في ذلك .

                                                                                                                        4308 - وقال داود بن علي : الرفع عند تكبيرة الإحرام واجب ، ركن من أركان الصلاة .

                                                                                                                        4309 - واختلف أصحابه ; فقال بعضهم : الرفع عند الإحرام ، وعند الركوع والرفع منه - واجب .

                                                                                                                        4310 - وقال بعضهم : لا يجب الرفع عند الإحرام ولا غيره فرضا ; لأنه فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأمر به .

                                                                                                                        4311 - وقال بعضهم : لا يجب الرفع إلا عند الإحرام .

                                                                                                                        4312 - وقال بعضهم : هو واجب كله ; لقوله عليه السلام : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .

                                                                                                                        [ ص: 104 ] 4313 - وحجة من رأى الرفع عند الركوع وعند الرفع منه - حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه عن النبي - عليه السلام - وهو حديث لا مطعن لأحد فيه .

                                                                                                                        4314 - وروى مثل ما روى ابن عمر من ذلك عن النبي - عليه السلام - نحو ثلاثة عشر رجلا من الصحابة ، ذكر ذلك جماعة من أهل العلم بالحديث والمصنفين فيه . منهم أبو داود ، وأحمد بن شعيب ، والبخاري ، ومسلم .

                                                                                                                        4315 - وأفرد لذلك بابا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري البزار ، [ ص: 105 ] وصنف فيه كتابا أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي من كتابه الكبير ، أكثر فيه من الآثار وطول .

                                                                                                                        4316 - وروي الرفع في الخفض والرفع عن جماعة من الصحابة ، منهم ابن عمر ، وأبو موسى ، وأبو سعيد ، وأبو الدرداء ، وأنس ، وابن عباس ، وجابر .

                                                                                                                        4317 - وروي عن الحسن البصري ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعون أيديهم في الصلاة إذا ركعوا ، وإذا رفعوا ، كأنها المراوح .

                                                                                                                        4318 - ولم يرو عن أحد من الصحابة ترك الرفع عند كل خفض ورفع ممن لم يختلف فيه - إلا ابن مسعود وحده .

                                                                                                                        4319 - وروى الكوفيون عن علي مثل ذلك ، وروى عنه المدنيون الرفع من حديث عبد الله بن رافع .

                                                                                                                        4320 - وكذلك اختلف عن أبي هريرة ; فروى عنه أبو جعفر القارئ ، ونعيم المجمر أنه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، ويكبر في كل خفض ورفع ، ويقول : أنا أشبهكم صلاة برسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        4321 - وروى عنه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه كان يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع . وهذه الرواية أولى لما فيها من الزيادة .

                                                                                                                        4322 - وأما قوله : أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنما ذكره أبو سلمة وغيره عنه [ ص: 106 ] في التكبير في كل خفض ورفع على ما يأتي بعد ، إن شاء الله .

                                                                                                                        4323 - وروي الرفع عند الركوع ، والرفع منه - عن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق ، والشام ، يطول الكتاب بذكرهم ، منهم : القاسم بن محمد ، وسالم ، والحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، ونافع مولى ابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن أبي نجيح ، وقتادة ، والحسن بن مسلم .

                                                                                                                        4324 - وقال ابن سيرين : هو من تمام الصلاة ، وقال عمر بن عبد العزيز : إن كنا لنؤدب عليها بالمدينة إذا لم نرفع أيدينا .

                                                                                                                        4325 - وكان عمر بن عبد العزيز أيضا يقول في ذلك : سالم قد حفظ عن أبيه .

                                                                                                                        4326 - وقد ذكرنا الأسانيد عن كل من ذكرنا بكل ما وصفنا في التمهيد .

                                                                                                                        4327 - وقال أبو بكر الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يقول : رأيت معتمر بن سليمان ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وإسماعيل بن علية - يرفعون أيديهم عند الركوع ، وإذا رفعوا رءوسهم .

                                                                                                                        4328 - وقيل لأحمد بن حنبل : نرفع عند القيام من اثنتين وبين السجدتين ؟ قال : لا . أنا أذهب إلى حديث سالم عن أبيه ، ولا أذهب إلى وائل بن حجر ; لأنه مختلف في ألفاظه .

                                                                                                                        4329 - قال أبو عمر : قد ذكرنا حديث وائل بن حجر في التمهيد ، وقد عارضه حديث ابن عمر بقوله : وكان يرفع بين السجدتين .

                                                                                                                        4330 - وقيل لأحمد بن حنبل : يرفع المصلي عند الركوع ؟ فقال : نعم ، ومن يشك في ذلك ؟ كان ابن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه حصبه .

                                                                                                                        [ ص: 107 ] 4331 - قال أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت زيد بن رافع قال : سمعت نافعا قال : كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع حصبه .

                                                                                                                        4332 - قال أبو عمر : كل من رأى الرفع وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع ، إلا الحميدي ، وبعض أصحاب داود ، ورواية عن الأوزاعي .

                                                                                                                        4333 - وذكر الطبري ، قال : حدثنا العباس بن الوليد بن زيد عن أبيه ، عن الأوزاعي قال : بلغنا أن من السنة فيما أجمع عليه علماء أهل الحجاز والبصرة والشام أن رسول الله - عليه السلام - كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة ، وحين يكبر للركوع ، وحين يرفع رأسه منه ، إلا أهل الكوفة ; فإنهم خالفوا في ذلك أمتهم .

                                                                                                                        4334 - قيل للأوزاعي : فإن نقص من ذلك شيئا ؟ قال : ذلك نقص من صلاته .

                                                                                                                        4335 - قال أبو عمر : قد صح عن النبي - عليه السلام - من حديث أبي هريرة ، [ ص: 108 ] وحديث رفاعة بن رافع في الذي أمره أن يعيد صلاته ، فقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل ، ثم علمه فرائض الصلاة دون سننها ; قال له : " إذا أردت الصلاة فأسبغ الوضوء ، [ ص: 109 ] واستقبل القبلة ، وكبر ، ثم اقرأ ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تطمئن رافعا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا " ، الحديث . فلم يأمره برفع اليدين ، ولا من التكبير إلا بتكبيرة الإحرام ، وعلمه الفرائض في الصلاة ، وسنبين هذا فيما بعد ، إن شاء الله .

                                                                                                                        4336 - فلا وجه لمن جعل صلاة من لم يرفع ناقصة ، ولا لمن أبطلها مع اختلاف الآثار في الرفع عن النبي - عليه السلام - ، واختلاف الصحابة ومن بعدهم ، واختلاف أئمة الأمصار في ذلك .

                                                                                                                        4337 - والفرائض لا تثبت إلا بما لا مدفع له ، ولا مطعن فيه . وقول الحميدي ومن تابعه شذوذ عند الجمهور ، وخطأ لا يلتفت أهل العلم إليه .

                                                                                                                        4338 - وقد أوضحنا معاني هذا الباب وبسطناها في التمهيد . والحمد لله .

                                                                                                                        4339 - واختلفت الآثار عن النبي - عليه السلام - في كيفية رفع اليدين في الصلاة ; فروي عنه أنه كان يرفع يديه مدا فوق أذنيه مع رأسه ، روي عنه أنه كان يرفع [ ص: 110 ] يديه حذو أذنيه ، وروي عنه أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه ، وروي عنه أنه كان يرفعها إلى صدره .

                                                                                                                        4340 - وكلها آثار معروفة مشهورة ، وأثبت ما في ذلك حديث ابن عمر هذا ، وفيه : " حذو منكبيه " ، وعليه جمهور التابعين ، وفقهاء الأمصار ، وأهل الحديث .




                                                                                                                        الخدمات العلمية