الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      اعلم أن قصة الذبيح هذه تؤيد أحد القولين المشهورين عند أهل الأصول في حكمة التكليف ، هل هي للامتثال فقط ، أو هي مترددة بين الامتثال والابتلاء ؟ لأنه بين في هذه الآية الكريمة أن حكمة تكليفه لإبراهيم بذبحه ولده ليست هي امتثاله ذلك بالفعل ، لأنه لم يرد ذبحه كونا وقدرا ، وإنما حكمة تكليفه بذلك مجرد الابتلاء والاختبار ، هل يصمم على امتثال ذلك أو لا ؟ كما صرح بذلك في قوله تعالى : إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم [ 37 \ 106 - 107 ] ، فتبين بهذا أن التحقيق أن حكمة التكليف مترددة بين الامتثال والابتلاء . وإلى الخلاف المذكور أشار في " مراقي السعود " ، بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      للامتثال كلف الرقيب فموجب تمكنا مصيب     أو بينه والابتلا ترددا
                                                                                                                                                                                                                                      شرط تمكن عليه انفقدا



                                                                                                                                                                                                                                      وقد أشار بقوله : فموجب تمكنا مصيب ، وقوله : شرط تمكن عليه انفقدا ، إلى أن شرط التمكن من الفعل في التكليف ، مبني على الخلاف المذكور ، فمن قال : إن الحكمة في التكليف هي الامتثال فقط اشترط في التكليف التمكن من الفعل ; لأنه لا امتثال إلا مع [ ص: 319 ] التمكن من الفعل ، ومن قال إن الحكمة مترددة بين الامتثال والابتلاء ، لم يشترط من الفعل ; لأن حكمة الابتلاء تتحقق مع عدم التمكن من الفعل ، كما لا يخفى . ومن الفروع المبنية على هذا الخلاف أن تعلم المرأة بالعادة المطردة أنها تحيض بعد الظهر غدا من نهار رمضان ، ثم حصل لها الحيض بالفعل ، فتصبح مفطرة قبل إتيان الحيض ، فعلى أن حكمة التكليف الامتثال فقط ، فلا كفارة عليها ، ولها أن تفطر ; لأنها عالمة بأنها لا تتمكن من الامتثال ، وعلى أن الحكمة تارة تكون الامتثال ، وتارة تكون الابتلاء ، فإنها يجب عليها تبييت الصوم ، ولا يجوز لها الإفطار إلا بعد مجيء الحيض بالفعل ، وإن أفطرت قبله كفرت . وكذلك من أفطر لحمى تصيبه غدا ، وقد علم ذلك بالعادة ، فهو أيضا ينبني على الخلاف المذكور .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية