الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4515 حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم فأرسلت على الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو فقلت يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه قال ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله فقالت وعليك السلام ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما أدري آخبرته أو أخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية عبد العزيز ( فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلق إلى حجرة عائشة فقال : السلام عليكم ) في رواية حميد " ثم خرج إلى أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو لهن ويدعون له " وفي رواية عبد العزيز أنهن قلن له : " كيف وجدت أهلك بارك الله لك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فتقرى ) بفتح القاف وتشديد الراء بصيغة الفعل الماضي ، أي تتبع الحجرات واحدة واحدة ، يقال منه قريت الأرض إذا تتبعتها أرضا بعد أرض وناسا بعد ناس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة ) في رواية حميد " رأى رجلين جرى بهما الحديث فلما رآهما رجع عن بيته ، فلما رأى الرجلان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - رجع عن بيته وثبا مسرعين " ومحصل القصة أن الذين حضروا الوليمة جلسوا يتحدثون ، واستحيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرهم بالخروج فتهيأ للقيام ليفطنوا لمراده فيقوموا بقيامه ، فلما ألهاهم الحديث عن ذلك قام وخرج فخرجوا بخروجه ، إلا الثلاثة الذين لم يفطنوا لذلك لشدة شغل بالهم بما كانوا فيه من الحديث ، وفي غضون ذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يقوموا من غير مواجهتهم بالأمر بالخروج لشدة حيائه فيطيل الغيبة عنهم بالتشاغل بالسلام على نسائه ، وهم في شغل بالهم ، وكان أحدهم في أثناء ذلك أفاق من غفلته فخرج وبقي الاثنان ، فلما طال ذلك ووصل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منزله فرآهما فرجع فرأياه لما رجع ، فحينئذ فطنا [ ص: 391 ] فخرجا ، فدخل النبي ، وأنزلت الآية ، فأرخى الستر بينه وبين أنس خادمه أيضا ولم يكن له عهد بذلك .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : ظاهر الرواية الثانية أن الآية نزلت قبل قيام القوم . والأولى وغيرها أنها نزلت بعد ، فيجمع بأن المراد أنها نزلت حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا . ووقع في رواية الجعد " فرجع فدخل البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي - إلى قوله - من الحق " وفي الحديث من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين ، قال : عياض : فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين ، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز . ثم استدل بما في " الموطأ " أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها ؛ وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها . انتهى . وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن ، وقد كن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ويطفن ، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص ، وقد تقدم في الحج قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة : أقبل الحجاب أو بعده ؟ قال : قد أدركت ذلك بعد الحجاب . وسيأتي في آخر الحديث الذي يليه مزيد بيان لذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية