الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
آخر

420 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد الأصبهاني - بها - أن فاطمة [ ص: 446 ] بنت عبد الله الجوزدانية أخبرتهم ، أبنا محمد بن عبد الله بن ريذة ، أبنا سليمان بن أحمد الطبراني ، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، ثنا أبي ( ح ) .

421 - قال الطبراني : وحدثنا أحمد بن علي الأبار البغدادي ، ثنا محمد بن أبي السري قالا : ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا محمد بن [ ص: 447 ] حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن سلام قال : إن الله عز وجل لما أراد هدي زيد بن سعنة ، قال زيد بن سعنة : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فكنت ألطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله ، قال زيد بن سعنة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب ، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي ، فقال : يا رسول الله إن بصرى بقربي - قرية بني فلان - قد أسلموا ودخلوا في الإسلام ، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدا ، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث ، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعا كما دخلوا فيه طمعا ، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به فعلت ، فنظر إلى رجل إلى جانبه ، أراه عليا - فقال : يا رسول الله ما بقي منه شيء ، قال زيد بن سعنة : فدنوت إليه فقلت : يا محمد ، هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا ، فقال : لا يا يهودي ولكني أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا ولا تسمي حائط بني فلان ، قلت : نعم ، فبايعني ، فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا ، فأعطاها الرجل وقال : أعجل ، اعدل عليهم وأعنهم بها ، قال زيد بن سعنة : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه ، فلما صلى على الجنازة ودنا من جدار ليجلس أتيته فأخذت [ ص: 448 ] بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ ، فقلت له : ألا تقضيني يا محمد حقي ، فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم ، ونظرت إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير ، ثم رماني ببصره فقال : يا عدو الله ، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع ، وتصنع به ما أرى ، فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم ، ثم قال : يا عمر ، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا ، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه ، اذهب به يا عمر فأعطه حقه ، وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما زعته .

قال زيد : فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر ، فقلت : ما هذه الزيادة يا عمر ؟ قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما زعتك ، قال : وتعرفني يا عمر ، قال : لا ، فما دعاك أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت وقلت له ما قلت ؟ قلت : يا عمر ، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه ، إلا اثنتين لم أخبرهما منه ، يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما ، فقد اختبر بهما ، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد نبيا ، وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد ، قال عمر : أو على بعضهم ؛ فإنك لا تسعهم ، قلت : أو على بعضهم ، فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة ثم [ ص: 449 ] توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر ، رحم الله زيدا
.

روى منه ابن ماجه بعضه ، عن يعقوب بن حميد بن كاسب ، عن الوليد بن مسلم بإسناده ، عن عبد الله بن سلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني فلان أسلموا - لقوم من اليهود - وإنهم قد جاعوا فأخاف أن يرتدوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من عنده ؟ قال رجل من اليهود : عندي كذا وكذا - لشيء سماه - أراه قال : ثلاثمائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا ، وليس من حائط بني فلان .

هذا القدر الذي رواه ابن ماجه .

ورواه أبو حاتم ابن حبان بطوله ، عن الحسن بن سفيان ومحمد بن الحسن بن قتيبة ، عن محمد بن المتوكل - وهو ابن أبي السري - بنحوه ، وفيه : يا رسول الله ، قرية بني فلان قد أسلموا .

والحديث الذي رويناه بمسند زيد بن سعنة أولى ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون عبد الله بن سلام قد شاهد ذلك ، فإن الذي رواه ابن ماجه ليس فيه ذكر زيد بن سعنة ، وجعل القصة من قول عبد الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية