الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3948 - حدثنا محمد بن معمر ، قال : نا أبو داود ، قال : نا سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا حتى أتينا خالا لنا ذا مال وهيئة فأحسن إلينا خالنا فحسدنا قومه ، وقالوا : إن أنيسا إذا خرجت خالفك إلى أهلك فجاء خالنا فنثا علينا الذي قيل له [ ص: 370 ] فقلنا له : أما أنت فقد كدرت معروفك فيما مضى ، ولا اجتماع لنا فيما بعد فقدمتنا صرمتنا وتغطى خالنا بردائه يبكي فانطلقنا حتى إذا كنا بواد بحضرة مكة نافر أنيس عن صرمتنا فأتى كاهنا فأتانا بصرمتنا ومثلها معها ، وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين ، قال : قلت : لمن ؟ قال : لله ، قلت : أين كنت توجه ؟ قال : حيث وجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من السحر ألقيت نفسي كأني خفاء حتى تعلوني الشمس فقال لي أنيس : إني منطلق مكة فاكفني حتى آتيك فانطلق فراث علي ، ثم جاء فقلت : ما حبسك ، قال : لقيت بمكة رجلا على دينك يزعم أن الله أرسله ، قال : قلت : فما يقول فيه الناس . قال : يقولون : شاعر كاهن . ولقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد ، قال : أبو ذر يا ابن أخي ، وكان أنيس أحد الشعراء ، قال : فوالله إنه لصادق ، قال : قلت : فاكفني حتى أطالع مكة ، قال : نعم ولكن كن من أهل مكة على حذر فإنهم شنفوا له ، قال : فانطلقت فتصفحت رجلا منهم فقلت : أين الذين يدعونه الصابئ ، قال : فأشار إلي فقال : الصابئ الصابئ ، قال : فأمال علي أهل الوادي بكل حجر وعظم فخررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت ، وكأني نصب فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها ومكثت يا ابن أخي ثلاثين يوما وليلة مالي طعام ولا شراب إلا زمزم ، ولقد سمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدي سخفة جوع ، قال : فبينا أنا ذات ليلة في ليلة قمراء [ ص: 371 ] أضحيان إذ ضرب الله على أصمخة أهل مكة فما يطوف بالبيت منهم أحد إلا امرأتان تدعوان يسافا ونائلة فأخرجت رأسي فقلت : زوجوا إحداهما بالأخرى ، فوالله ما تناهتا ذلك ثم أتتا علي وهما تدعوان يسافا ونائلة فقلت : هن مثل الخشبة غير أني لا أكنى فانطلقتا تولولان وتقولان : لو كان هاهنا أحد من أنصارنا فكان أول من لقيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها ، قال : " ما قال لكما ؟ " قالتا : قال لنا كلمة تملأ الفم ، قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : فبدأ بالحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت سبعا فانتهيت إليه وقد وصاحبه فكنت أول من حياه بتحية الإسلام ، فقال : " وعليك ورحمة الله من أنت ؟ " قلت : رجل من بني غفار ، قال : فوضع يده على جبهته ، فقلت في نفسي : كره أن انتميت إلى غفار فذهبت لأرفع يده عن جبهته فمنعني صاحبه ، وكان أعلم به مني ، فقال : " منذ كم أنت هاهنا ؟ " قلت : منذ ثلاثين من بين يوم وليلة قال : " ما قال لكما ؟ " قالتا : قال لنا كلمة تملأ الفم ، قال : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : فبدأ بالحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت سبعا فانتهيت إليه وقد ... وصاحبه فكنت أول من حياه بتحية الإسلام ، فقال : " وعليك ورحمة الله من أنت ؟ " قلت : رجل من بني غفار ، قال : فوضع يده على جبهته ، فقلت في نفسي : كره أن انتميت إلى غفار فذهبت لأرفع يده عن جبهته فمنعني صاحبه ، وكان أعلم به مني ، فقال : " منذ كم أنت هاهنا ؟ " قلت : منذ ثلاثين من بين يوم وليلة قال : " ما كان طعامك ؟ " قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ولقد سمنت حتى تكسرت عكن بطني وما أجد على كبدي سخفة جوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها مباركة وهي طعام طعم " فقال : أبو بكر يا رسول الله : أتحفني بطعامه الليلة ، قال : " نعم " قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق أبو بكر وانطلقت معهما ففتح لنا بابا فقبض لنا من زبيب الطائف أحسبه ، قال : قبضة فذاك أول [ ص: 372 ] طعام أكلته بها ، قال : فغبرت ما غبرت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد وجهت إلى أرض ذات نخل لا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك ينفعهم الله بك " قال : فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا فقال لي : ما صنعت ، قال : قد أسلمت وصدقت فقال لي : ما بي رغبة عن دينك فقد أسلمت وصدقت ، ثم أتينا أمنا فعرضنا عليها الإسلام فقالت : ما بي رغبة عن دينكما فقد أسلمت وصدقت ، ثم احتملنا حتى أتينا قومنا غفار فعرضنا عليهم الإسلام فأسلم نصفهم وقال النصف الباقون إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا فكان يؤمهم إيماء - يعني ابن رحضة الغفاري - وكان سيدهم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم بقيتهم فجاء إخواننا من أسلم ، فقالوا : يا رسول الله : نسلم على الذي أسلموا عليه غفار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية