الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( الثاني زوال العقل ) أي التمييز بجنون أو إغماء [ ص: 135 ] أو نحو سكر ولو ممكنا مقعده إجماعا أو نوم للخبر الصحيح { فمن نام فليتوضأ } وقد بينت خلاصة ما للعلماء في تعريف العقل وتوابعه في شرح العباب وهو أفضل من العلم ؛ لأنه منبعه وأسه ؛ لأن العلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤية من العين ومن عكس أراد من حيث استلزامه له ، وأنه تعالى يوصف به لا بالعقل ( إلا ) متصل كما عرف في تفسير العقل بما ذكر ( نوم ) قاعد ( ممكن مقعده ) أي ألييه من مقره ولو دابة سائرة ، وإن استند لما لو زال عنه لسقط أو احتبى وليس بين بعض مقعده ومقره تجاف للأمن من خروج شيء حينئذ وعليه حملنا خبر مسلم أن الصحابة كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون وفي رواية لأبي داود ينامون حتى تخفق رءوسهم الأرض [ ص: 136 ]

                                                                                                                              ويؤخذ من قولهم للأمن إلى آخره أنه لو أخبر نائما غير ممكن معصوم كالخضر بناء على الأصح أنه نبي بأنه لم يخرج منه شيء لم ينتقض وضوءه واعتمده بعضهم وقد تنازعه قاعدة أن ما نيط بالمظنة لا فرق بين وجوده وعدمه كالمشقة في السفر وعلى هذا يتجه عد المتن الزوال نفسه في غير النائم الممكن سببا للحدث .

                                                                                                                              وأما على الأول فوجه عده أنه سبب لخروج شيء من الدبر غالبا فكأنه قال الأول الخروج نفسه والثاني سببه وخرج بالقاعد الممكن غيره كالنائم على قفاه ، وإن استثفر وألصق مقعده بمقره وبالنوم النعاس وأوائل نشأة السكر لبقاء نوع من التمييز معهما إذ من علامات النعاس سماع كلام الحاضرين ، وإن لم يفهمه ولا ينتقض وضوء شاك هل نام أو نعس أو هل كان ممكنا أو لا أو هل زالت أليته قبل اليقظة أو بعدها وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه [ ص: 137 ] مع الشك فيه ؛ لأنها مرجحة لأحد طرفيه ولا وضوء نبينا كسائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم بالنوم لبقاء يقظة قلوبهم فتدرك الخارج وعدم إدراكه لطلوع الشمس في قصة الوادي ؛ لأن رؤيتها من وظائف البصر أو صرف القلب عنه للتشريع المستفاد منه في هذه القصة من الأحكام ما لا يحصى كثرة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : من حيث استلزمه ) يتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : إلا نوم إلخ ) لا يخفى أن النوم المذكور مستثنى من محذوف أي زوال العقل بشيء إلا نوم إلخ ( قوله : قاعد ممكن ) التقييد بالقاعد الذي زاده قد يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا كما لو انتصب وفرج بين رجليه وألصق المخرج بشيء مرتفع إلى حد المخرج ولا يتجه إلا أن هذا تمكن مانع من النقض فينبغي الإطلاق ولعل التقييد بالنظر للغالب .

                                                                                                                              ( قوله : وعليه حملنا خبر مسلم إلخ ) فإن قلت حمل الخبر على هذا ليس بأولى من حمله على النوم الخفيف ؛ لأنه لا يمنع إدراك خروج الخارجقلت بل هو أولى ؛ لأن خروج الخارج قد يخف [ ص: 136 ] جدا بحيث يخفى مع أدنى نوم بخلاف التمكن ؛ لأنه يمنع الخروج فتأمل ( قوله : ويؤخذ من قولهم إلخ ) في فتاوى الشارح أنه سئل عمن أخبره عدل أنه خرج منه حدث فهل يلزمه قبول خبره أو لا كما أفتى به بعض أهل اليمن فأجاب بأن الصواب أنه يلزمه وزعم أن خبره لا يفيد اليقين بل الظن ولا يرفع يقين طهر بظن حدث يبطله أنه لو أخبره بوقوع نجاسة في الماء لزمه قبول خبره مع وجود العلة المذكورة ووجهه أن هذا ، وإن كان ظنا إلا أنه قائم مقام اليقين شرعا في أبواب كثيرة ا هـ .

                                                                                                                              وقضية توجيهه أنه لو أصابه شيء من ذلك الماء الذي أخبره بوقوع نجاسة فيه لزمه تطهيره ثم رأيت التنبيه الآتي في كلامه والوجه أن شرط لزوم قبول خبره أن لا يعلم أن مستنده في إخباره ظنه باجتهاد أو غيره أو بتردد في ذلك ؛ لأن ظنه نفسه لا يؤثر فظن غيره أولى ولعل هذا في غاية الظهور فليتأمل ثم تذكرت قول المصنف السابق ولو أخبره بتنجسه مقبول الرواية إلخ ، وهو صريح في لزوم التطهير مما أصابه من الماء الذي أخبر العدل بوقوع نجاسة فيه ( قوله : وقد تنازعه إلخ ) اعتمده م ر ( قوله : أو نعس ) قال في شرح الروض بفتح العين ( قوله : وتيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم لا أثر له بخلافه مع الشك إلخ ) هذه التفرقة غير متجهة ؛ لأن الرؤيا إن كانت من خصائص النوم فلا فرق بين التذكر والشك في النقض حيث لا تمكين بل هي مرجحة مع عدم التذكر أيضا ؛ لأن وجود خاصة الشيء ترجح بل قد تعين وجوده ، وإن لم تكن من خصائصه فلا وجه للتفرقة بينهما بالنقض بأحدهما دون الآخر إذ لا نقض بالشك وبالجملة فالوجه أنه إن كان متمكنا ولو احتمالا فلا نقض فيهما وإلا حصل النقض فيهما فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله وتيقن الرؤيا إلخ ) صريح في أنه يتصور تيقن الرؤيا من غير تذكر نوم ولا شك فيه ، وهو [ ص: 137 ] محل وقفة قوية وكيف يتيقن الرؤيا التي هي من آثار النوم ولا يشك فيه ، فإن قيل ؛ لأنه يحتمل أنها ليست رؤيا بل حديث نفس مثلا قلنا فلم يوجد تيقن الرؤيا مع أن الفرض تيقنها وقد يقال المتجه أنه إن تيقن رؤيا لا تكون إلا مع النوم وجب الانتقاض بها ، وإن لم يتيقنها كأن وجد ما يحتمل أنها رؤيا النوم التي لا توجد إلا معه ، وأنها غير ذلك فلا نقض للشك والكلام كله حيث لا تمكين وإلا فلا نقض مطلقا ( قوله : مع الشك ) أي ومع عدم احتمال التمكن وإلا فلا يتجه إلا عدم النقض ؛ لأن غايته تحقق النوم مع الشك في تمكنه وقد تقدم أنه لا ينقض



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي التمييز ) إلى قوله وقد بينت في النهاية والمغني ( قوله : بجنون ) ومنه الخبل والماليخولي وغيرهما من بقية أنواعه وهو زوال الإدراك بالكلية مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء شيخنا ( قوله : أو إغماء ) ولو كان لولي حالة الذكر فينقض طهره عندنا خلافا للمالكية رحماني ا هـ بجيرمي [ ص: 135 ] عبارة ع ش ومن الناقض أيضا استغراق الأولياء أخذا من إطلاقهم خلافا لما توهمه بعض ضعفة الطلبة ا هـ وعبارة شيخنا ، وهو أي الإغماء زوال الشعور من القلب مع الفتور في الأعضاء ، وهو غير ناقض في حق الأنبياء كالنوم ومن الإغماء ما يقع في الحمام ، وإن قل فينقض الوضوء فليتنبه له ا هـ وقوله ، وهو غير ناقض في حق الأنبياء كالنوم في ع ش والبجيرمي مثله ( قوله : أو نحو سكر ) كأن زال بمرض قام به ع ش ( قوله : للخبر الصحيح فمن نام إلخ ) أي وغير النوم مما ذكر أبلغ منه في الذهول الذي هو مظنة لخروج شيء من الدبر كما أشعر به الخبر مغني ونهاية ( قوله : في تعريف العقل إلخ ) والعقل لغة المنع ؛ لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب الفواحش وأما اصطلاحا فأحسن ما قيل فيه إنه صفة يميز بها بين الحسن والقبيح وعن الشافعي أنه آلة التمييز وقيل هو غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وقيل غير ذلك واختلف في محله فقال أصحابنا : وجمهور المتكلمين إنه في القلب وقال أصحاب أبي حنيفة وأكثر الأطباء إنه في الدماغ .

                                                                                                                              ( فائدة )

                                                                                                                              قال الغزالي الجنون يزيل العقل والإغماء يغمره والنوم يستره مغني عبارة شيخنا والأصح أنه في القلب وله شعاع متصل بالدماغ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وهو أفضل من العلم ) إن أريد بالأفضل الأشرف فهو محتمل أو الأكثر ثوابا فمحل تأمل إن أريد بالعقل الغريزة إذ لا صنع له فيها بصري أقول وكلامهم كالصريح في الأول ( قوله : ومن عكس إلخ ) عبارة شيخنا .

                                                                                                                              وقال الرملي بالثاني أي العلم أفضل من العقل ، وهو المعتمد لاستلزامه له ؛ ولأن الله تعالى يوصف به لا بالعقل ا هـ وقوله ، وهو المعتمد قد ينافي قوله بعد وهذا الخلاف مما لا طائل تحته ا هـ فتأمل ( قوله : من حيث استلزامه ) يتأمل سم عبارة البجيرمي ما نصه وكان الشيخ محيي الدين الكافيجي يقول العلم أفضل باعتبار كونه أقرب إلى الإفضاء إلى معرفة الله وصفاته والعقل أفضل باعتبار كونه منبعا للعلم وأصلا له وحاصله أن فضيلة العلم بالذات وفضيلة العقل بالوسيلة إلى العلم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : متصل ) إلى قوله أو هل زالت في المغني إلا قوله قاعد وقوله ويؤخذ إلى وخرج وقوله القاعد وإلى قوله كسائر إلخ في النهاية إلا ما ذكر وقوله مع عدم تذكر إلى مع الشك قول المتن ( إلا نوم إلخ ) لا يخفى أن النوم المذكور مستثنى من محذوف أي زوال العقل بشيء إلا نوم إلخ سم ويستحب الوضوء لمن نام متمكنا خروجا من الخلاف مغني وأسنى وكردي وشيخنا ( قوله قاعد ) التقييد بالقاعد الذي زاده قد يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا كما لو انتصب وفرج بين رجليه وألصق المخرج بشيء مرتفع إلى حد المخرج ولا يتجه إلا أن هذا تمكن مانع من النقض فينبغي الإطلاق ولعل التقييد بالنظر للغالب سم على حج ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ونقل شيخنا عن الشيخ عطية أن من قام قائما متمكنا فلا ينتقض وضوءه ثم قال وقد تفيده عبارة الشيخ الخطيب ثم ساقها ( قوله : ولو دابة سائرة ) فغير السائرة من باب أولى كردي ( قوله : أو احتبى ) أي ضم ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها نهاية عبارة الكردي الاحتباء هو أن يجلس على أليتيه رافعا ركبتيه محتويا عليهما بيديه أو يجمع بينهما وظهره بنحو عمامة كما يفعله بعض الصوفية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وليس إلخ ) ولا فرق بين النحيف وغيره ، وهو ما صرح به في الروضة وغيرها نعم إن كان بين مقعده ومقره تجاف نقض كما نقله في الشرح الصغير عن الروياني وأقره خطيب ونهاية ( قوله تجاف ) ولو سد التجافي بنحو قطن لا ينتقض زيادي وشيخنا ( قوله : للأمن من خروج شيء ) أي من دبره ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله ، وإن اعتاده ؛ لأن شأنه الندرة شيخنا و ع ش ورشيدي .

                                                                                                                              ( قوله : وعليه ) أي التمكين ( قوله : حتى تخفق رءوسهم ) أي يقرب خفقان رءوسهم إذ لو خفقت رءوسهم الأرض حقيقة أي وصلت إليها [ ص: 136 ] ارتفع الأليان بجيرمي ( قوله ويؤخذ إلخ ) ولو نام ممكنا فأخبره عدل بخروج ريح منه أو بنحو مسها له اعتمد الشارح في الإيعاب وغيره وجوب الأخذ بقوله ؛ لأنه ظن أقامه الشارع مقام اليقين بل صوبه في فتاويه قال الزيادي في شرح المحرر : الذي اعتمده شيخنا الجمال الرملي أنه لا يجب عليه قبول خبره فلا نقض بإخبار العدل ا هـ ولا تبطل الصلاة بنوم ممكن قال القليوبي ، وإن طال ولو في ركن قصير وخالفه شيخنا الرملي في الركن القصير ؛ لأن تعاطيه باختياره فهو كالعمد وفيه بحث انتهى ا هـ .

                                                                                                                              كردي وأقر سم و ع ش ما قاله الرملي في المسألة الثانية واعتمد البجيرمي ما قاله الرملي في المسألتين وكذا اعتمده شيخنا ثم قال ولو أخبره معصوم أو عدد التواتر بأنه خرج منه شيء حال تمكنه انتقض وضوءه لتيقن الخروج حينئذ بخلاف ما لو أخبره عدل بذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وقد ينازعه إلخ ) اعتمده م ر سم وقال البصري يؤيد الأول ويضعف المنازعة فيه تعليلهم لاستثناء نوم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بيقظة قلوبهم فتدرك الخارج فتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وعلى هذا ) أي على النزاع و ( قوله : على الأول ) أي المأخوذ من قولهم للأمن إلخ ( قوله فوجه عده ) أي عد زوال العقل سببا للحدث ( قوله : وإن استثفر ) وفي القاموس والاستثفار بثاء ففاء أن يدخل إزاره بين فخذيه ملويا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : النعاس ) وهو أوائل النوم ما لم يزل تمييزه كردي ( قوله : نشوة السكر ) بفتح الواو بلا همز ع ش عبارة البجيرمي عن البرماوي بفتح الواو على الأفصح مقدمات السكر وأما بالهمز فالنمو من قولهم نشأ الصبي نما وزاد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو نعس ) قال في شرح الروض بفتح العين سم على حج وعبارة المختار نعس ينعس بالضم ومثله في الصحاح ع ش وعبارة القاموس نعس كمنع فهو ناعس ا هـ ، وهي موافقة لما في شرح الروض ( قوله أو هل زالت أليته إلخ ) عبارة النهاية ولو زالت إحدى أليتي نائم ممكن قبل انتباهه نقض أو بعده أو معه أو شك في تقدمه أو أن ما خطر بباله رؤيا أو حديث نفس فلا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لا أثر له بخلافه مع الشك ) هذه التفرقة غير متجهة ؛ لأن الرؤيا إن كانت من خصائص النوم فلا فرق بين عدم التذكر والشك في النقض حيث لا تمكين بل هي مرجحة مع عدم التذكر أيضا ؛ لأن وجود خاصة الشيء يرجح بل قد يعين وجوده ، وإن لم تكن من خصائصه فلا وجه للتفرقة بينهما بالنقض بأحدهما دون الآخر إذ لا نقض بالشك وبالجملة فالوجه أنه إن كان متمكنا ولو احتمالا فلا نقض فيهما وإلا حصل النقض فيهما فليتأمل سم على حج ا هـ ع ش عبارة النهاية والمغني ومن علامة النوم الرؤيا فلو رأى رؤيا وشك هل نام أو نعس انتقض وضوءه ا هـ .

                                                                                                                              [ ص: 137 ] قوله : مع الشك فيه ) أي ومع عدم احتمال التمكن وإلا فلا يتجه إلا عدم النقض ؛ لأن غايته تحقق النوم مع الشك في تمكنه وقد تقدم أنه لا ينقض سم ( قوله : لأحد طرفيه ) أي للنوم ( قوله : ولا وضوء نبينا ) كذا في المغني ( قوله : وعدم إدراكه ) أي قلبه صلى الله عليه وسلم ( قوله : أو صرف القلب عنه ) أي عن إدراك طلوع الشمس ( قوله : المستفاد منه ) أي التشريع صفة التشريع ولو قال وقد استفيد منه أي صرف القلب عنه لكان أولى




                                                                                                                              الخدمات العلمية