( فصل ) :
وأما فقد اختلف فيه ، قال بيان ما يتيمم به أبو حنيفة : يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض وعن ومحمد روايتان : في رواية بالتراب والرمل ، وفي رواية لا يجوز إلا بالتراب خاصة وهو قوله الآخر ، ذكره أبي يوسف وبه أخذ القدوري ، والكلام فيه يرجع إلى أن الصعيد المذكور في الآية ما هو ؟ فقال الشافعي أبو حنيفة : هو وجه الأرض وقال ومحمد : هو التراب المنبت واحتج بقول أبو يوسف رضي الله عنهما أنه فسر الصعيد بالتراب الخالص ، وهو مقلد في هذا الباب ; ولأنه ذكر الصعيد الطيب ، والصعيد الطيب هو الذي يصلح للنبات وذلك هو التراب دون السبخة ونحوها ، ( ولهما ) أن الصعيد مشتق من الصعود وهو العلو ، قال ابن عباس : فعيل بمعنى فاعل ، وهو الصاعد . الأصمعي
وكذا قال : إنه اسم لما تصاعد ، حتى قيل للقبر صعيد لعلوه وارتفاعه وهذا لا يوجب الاختصاص بالتراب بل يعم جميع أنواع الأرض ، فكان التخصيص ببعض الأنواع تقييدا لمطلق الكتاب ، وذلك لا يجوز بخبر الواحد فكيف بقول الصحابي ، والدليل على أن الصعيد لا يختص ببعض الأنواع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ابن الأعرابي } من غير فصل ، وقال { عليكم بالأرض } واسم الأرض يتناول جميع أنواعها ، ثم قال { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } . : أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت
وربما تدركه الصلاة في الرمل ، وما لا يصلح للإنبات فلا بد وأن يكون بسبيل من التيمم به والصلاة معه بظاهر الحديث ، ( وأما ) قوله سماه طيبا فنعم لكن الطيب يستعمل بمعنى الطاهر وهو الأليق ههنا ; لأنه شرع مطهرا ، والتطهير لا يقع إلا بالطاهر مع أن معنى الطهارة صار مرادا بالإجماع ، حتى لا يجوز التيمم بالصعيد النجس فخرج غيره من أن يكون مرادا ، المشترك لا عموم له ، ثم لا بد من معرفة جنس الأرض ، فكل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالحطب والحشيش ونحوهما ، أو ما ينطبع ويلين كالحديد والصفر والنحاس والزجاج ، وعين الذهب والفضة ونحوها فليس من جنس الأرض ، وما كان بخلاف ذلك فهو من جنسها ، ثم اختلف أبو حنيفة فيما بينهما ، فقال ومحمد : يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض ، التزق بيده شيء أو لا . أبو حنيفة
وقال : لا يجوز إلا إذا التزق بيده شيء من أجزائه ، فالأصل عنده أنه لا بد من استعمال جزء من الصعيد ، ولا يكون ذلك إلا بأن يلتزق بيده شيء ، ( وعند ) محمد هذا ليس بشرط ، وإنما الشرط : مس وجه الأرض باليدين وإمرارهما على العضوين . أبي حنيفة
وإذا عرف هذا فعلى قول يجوز أبي حنيفة . التيمم بالجص والنورة [ ص: 54 ] والزرنيخ والطين الأحمر والأسود والأبيض ، والكحل والحجر الأملس والحائط المطين والمجصص والملح الجبلي دون المائي والمرداسنج المعدني والآجر والخزف المتخذ من طين خالص ، والياقوت والفيروزج والزمرد والأرض الندية والطين الرطب ،
( وعند ) إن التزق بيده شيء منها بأن كان عليها غبار أو كان مدقوقا يجوز ، وإلا فلا ، وجه قول محمد أن المأمور به استعمال الصعيد ، وذلك بأن يلتزق بيده شيء منه ، فأما ضرب اليد على ما له صلابة وملاسة من غير استعمال جزء منه ، فضرب من السفه ، محمد أن المأمور به هو التيمم بالصعيد مطلقا من غير شرط الالتزاق ، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل . ولأبي حنيفة
وقوله : " الاستعمال شرط " ممنوع ; لأن ذلك يؤدي إلى التغيير الذي هو شبيه المثلة ، وعلامة أهل النار ولهذا أمر بنفض اليدين بل الشرط إمساس اليد المضروبة على وجه الأرض على الوجه ، واليدين تعبدا غير معقول المعنى لحكمة استأثر الله تعالى بعلمها ، ولا يجوز التيمم بالرماد بالإجماع ; لأنه من أجزاء الخشب ، وكذا باللآلئ سواء كانت مدقوقة أو لا ; لأنها ليست من أجزاء الأرض بل هي متولدة من الحيوان .
ويجوز التيمم بالغبار بأن ضرب يده على ثوب أو لبد أو صفة سرج فارتفع غبارا ، وكان على الذهب أو الفضة أو على الحنطة أو الشعير أو نحوها غبار فتيمم به أجزأه في قول أبي حنيفة ، وعند ومحمد لا يجزيه ، وبعض المشايخ قالوا إذا لم يقدر على الصعيد يجوز عنده والصحيح أنه لا يجوز في الحالين . أبي يوسف
وروي عنه أنه قال وليس عندي من الصعيد ، وهذا وجه قوله : أن المأمور به التيمم بالصعيد وهو اسم للتراب الخالص ، والغبار ليس بتراب خالص بل هو تراب من وجه دون وجه ، فلا يجوز به التيمم ، ( ولهما ) أنه جزء من أجزاء الأرض إلا أنه لطيف فيجوز التيمم به ، كما يجوز بالكثيف بل أولى .
وقد روي أن رضي الله عنهما كان عبد الله بن عمر بالجابية فمطروا فلم يجدوا ماء يتوضئون به ولا صعيدا يتيممون به ، فقال : لينفض كل واحد منكم ثوبه أو صفة سرجه ، وليتيمم وليصل ، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعا ، ولو كان المسافر في طين وردغة لا يجد ماء ولا صعيدا ، وليس في ثوبه وسرجه غبار لطخ ثوبه أو بعض جسده بالطين ، فإذا جف تيمم به ، ولا ينبغي أن يتيمم بالطين ما لم يخف ذهاب الوقت ; لأن فيه تلطيخ الوجه من غير ضرورة فيصير بمعنى المثلة . ابن عمر
وإن كان لو تيمم به أجزأه عند أبي حنيفة ; لأن الطين من أجزاء الأرض . ومحمد
وما فيه من الماء مستهلك ، وهو يلتزق باليد فإن خاف ذهاب الوقت تيمم وصلى عندهما ، وعلى قياس قول يصلي بغير تيمم بالإيماء ، ثم يعيد إذا قدر على الماء أو التراب كما لمحبوس في المخرج إذا لم يجد ماء ولا ترابا نظيفا على ما ذكرنا . أبي يوسف