الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما المرأة فنقول : إذا ماتت امرأة في سفر فإن كان معها نساء غسلنها وليس لزوجها أن يغسلها عندنا خلافا للشافعي ، واحتج بحديث عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تقول : وارأساه فقال : وأنا وارأساه لا عليك أنك إذا مت غسلتك وكفنتك وصليت عليك } وما جاز لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجوز لأمته ، هو الأصل إلا ما قام عليه الدليل وروي أن عليا غسل فاطمة بعد موتها ، ولأن النكاح جعل قائما حكما لحاجة الميت إلى الغسل ، كما إذا مات الزوج ، ولنا ما روي عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة تموت بين رجال فقال : تيمم بالصعيد } ولم يفصل بين أن يكون فيهم زوجها ، أو لا يكون ; ولأن النكاح ارتفع بموتها فلا يبقى حل المس والنظر ، كما لو طلقها قبل الدخول ، ودلالة الوصف أنها صارت محرمة على التأبيد ، والحرمة على التأبيد تنافي النكاح ابتداء وبقاء ، ولهذا جاز للزوج أن يتزوج بأختها وأربع سواها .

                                                                                                                                وإذا زال النكاح صارت أجنبية فبطل حل المس والنظر ، بخلاف ما إذا مات الزوج ; لأن هناك ملك النكاح قائم ; لأن الزوج مالك ، والمرأة مملوكة والملك لا يزول عن المحل بموت المالك ، ويزول بموت المحل ، كما في ملك اليمين فهو الفرق ، وحديث عائشة محمول على الغسل تسببا فمعنى قوله : { غسلتك } قمت بأسباب غسلك ، كما يقال بنى الأمير دارا حملناه على [ ص: 306 ] هذا صيانة لمنصب النبوة عما يورث شبهة نفرة الطباع عنه ، وتوفيقا بين الدلائل على أنه يحتمل أنه كان مخصوصا بأنه لا ينقطع نكاحه بعد الموت لقوله : صلى الله عليه وسلم { كل سبب ونسب ينقطع بالموت إلا سببي ونسبي } .

                                                                                                                                وأما حديث علي رضي الله عنه فقد روي أن فاطمة رضي الله عنها غسلتها أم أيمن .

                                                                                                                                ولو ثبت أن عليا غسلها فقد أنكر عليه ابن مسعود حتى قال علي : أما علمت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة } فدعواه الخصوصية دليل على أنه كان معروفا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته وإن لم يكن هناك نساء مسلمات ومعهم امرأة كافرة علموها الغسل ويخلون بينهما حتى تغسلها وتكفنها ، ثم يصلي عليها الرجال ويدفنوها لما ذكرنا وإن لم يكن معهم نساء لا مسلمة ولا كافرة ، فإن كان معهم صبي لم يبلغ حد الشهوة وأطاق الغسل علموه الغسل فيغسلها ويكفنها لما بينا ، وإن لم يكن معهم ذلك فإنها لا تغسل ، ولكنها تيمم لما ذكرنا غير أن الميمم لها إن كان محرما لها ييممها بغير خرقة ، وإن لم يكن محرما لها فمع الخرقة يلفها على كفه لما مر ويعرض بوجهه عن ذراعيها ; لأن في حالة الحياة ما كان للأجنبي أن ينظر إلى ذراعيها فكذا بعد الموت ، ولا بأس أن ينظر إلى وجهها ، كما في حالة الحياة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية