ثم قال السنة العاشرة ابن إسحاق : ولما فتح الله على نبيه مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه . وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشا كانوا إمام الناس .
قال : فقدم عطارد بن حاجب في بني تميم ، منهم وفد عظيم من الأقرع بن حابس ، والزبرقان بن بدر ، ومعهم عيينة بن حصن . فلما دخلوا المسجد ، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته : اخرج إلينا يا محمد . وآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم فخرج إليهم فقالوا : يا محمد جئناك نفاخرك ، فائذن لشاعرنا وخطيبنا . قال : قد أذنت لخطيبكم ، فليقم . فقام عطارد ، فقال :
الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن ، وهو أهله ، الذي جعلنا ملوكا ، ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثره عددا ، وأيسره عدة . فمن مثلنا في الناس ؟ ألسنا برءوس الناس وأولي فضلهم ؟ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، وإن لو نشأ لأكثرنا الكلام ، ولكن نستحيي من الإكثار . أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا .
ثم جلس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي : قم فأجبه . فقام ، فقال :
[ ص: 270 ] الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يكن شيء قط إلا من فضله . ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا ; أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثا ، وأفضله حسبا ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه ، أكرم الناس أحسابا ، وأحسن الناس وجوها ، وخير العالمين فعالا ، ثم كان أول الخلق استجابة إذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن الأنصار ، أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله . فمن آمن منع ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا . أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم .
فقام الزبرقان بن بدر ، فقال :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا من الأحياء كلهم
عند النهاب ، وفضل العز يتبع ونحن نطعم عند القحط مطعمنا
من الشواء إذا لم يؤنس القزع بما ترى الناس تأتينا سراتهم
من كل أرض هويا ثم نصطنع
حسان ، فأجبه . فقال فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قم يا حسان :
إن الذوائب من فهر وإخوتهم قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
[ ص: 271 ] سجية تلك منهم غير محدثة إن الخلائق ، فاعلم ، شرها البدع
فقال الأقرع بن حابس : وأبي ، إن هذا الرجل لمؤتى له . إن خطيبه أفصح من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا .
قال : فلما فرغ القوم أسلموا ، وأحسن النبي صلى الله عليه وسلم جوائزهم . إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ( 4 ) ) [ الحجرات ] . وفيهم نزلت : (
وقال سليمان بن حرب : حدثنا حماد بن زيد ، عن محمد بن الزبير الحنظلي ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، الزبرقان بن بدر ، وقيس بن عاصم ، وعمرو بن الأهتم . فقال لعمرو بن الأهتم : أخبرني عن هذا الزبرقان ، فأما هذا فلست أسألك عنه . قال : وأراه قال قد عرف قيسا . فقال : مطاع في أدنيه ، شديد العارضة ، مانع لما وراء ظهره . فقال الزبرقان : قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال . فقال عمرو : ما علمتك إلا زمر المروءة ، ضيق العطن ، أحمق الأب ، لئيم الخال ثم قال : يا رسول الله ، قد صدقت فيهما جميعا ; أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم ، وأسخطني فقلت بأسوأ ما فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من البيان سحرا " .
وقد روى نحوه عن علي بن حرب الطائي ، أبي سعد الهيثم بن محفوظ ، عن أبي المقوم الأنصاري يحيى بن يزيد ، عن عن الحكم بن عتيبة ، مقسم ، عن ابن عباس ; متصلا .