الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
194 - حدثنا أحمد بن عبدة ، وأبو بكر بن خلاد ، واللفظ لأبي بكر ، وأكثر كلام هذا الحديث لأبي بكر بن خلاد قالا : نا سفيان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف في آخر خلافة عمر آخر حجة حجها ونحن بمنى أتانا عبد الرحمن بن عوف فقال : لو شهدت أمير المؤمنين اليوم وأتاه رجل فقال : [ ص: 300 ] إني سمعت فلانا يقول : لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلانا ، فقال عمر : لأقومن العشية في الناس فلأحذرنهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمورهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وهم الذين يغلبون على مجلسك فلو أخرت ذلك حتى تقدم المدينة فتقول ما تقول وأنت متمكن فيعونها عنك ويضعونها موضعها ، قال : فقدمنا المدينة وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني به عبد الرحمن بن عوف فهجرت إلى المسجد فوجدت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قد سبقني بالتهجير فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته فلما زالت الشمس ودخل عمر ، قلت لسعيد بن زيد : ليقولن أمير المؤمنين اليوم مقالة لم تقل قبله ، فغضب سعيد وقال : وأي مقالة يقولها لم تقل قبله ؟ فلما صعد عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ قام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : أما بعد فإني أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها ولا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن حفظها ووعاها فليتحدث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن لم يحفظها ولم يعها فإني لا أحل لأحد أن يكذب علي ، إن الله تبارك وتعالى بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب وأنزل عليه آية الرجم ألا وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجم ورجمنا بعده ، ألا وإني قد خشيت أن يطول بالناس الزمان فيقولون : لا نعرف آية الرجم فيضلون بترك فريضة أنزلها الله - عز وجل - ، ألا وإن الرجم حق على من زنى وكان محصنا وقامت بينة أو كان حمل أو اعتراف ، ألا وإنا كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده ، ولكن قولوا : عبده ورسوله ، ألا وإنه قد كان من خبرنا [ ص: 301 ] لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخلف عنا علي والعباس ، ومن معهم في بيت فاطمة فاجتمعت المهاجرون إلى أبي بكر واجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فخرجنا فلقينا منهم رجلين صالحين .

- قال الزهري : هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي - فقالا : أين تريدون يا معشر قريش ؟ فقلنا : نريد إخواننا من الأنصار ، فقال : أمهلوا حتى تقضوا أمركم بينكم فقلنا: لنأتينهم ، فأتيناهم وإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ، وإذا رجل مزمل فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا سعد ، قلت : وما شأنه ؟ قالوا : وعك ، وقام خطيبا للأنصار فقال : إنه قد دف إلينا منكم دافة يا معشر قريش وأنتم إخواننا ونحن كتيبة الإسلام تريدون أن تختزلونا وتختصمون بالأمر أو تستأثرون بالأمر دوننا ، وقد كنت رويت مقالة أقولها بين يدي كلام أبي بكر ، فلما ذهبت أن أتكلم بها قال لي : على رسلك فوالله ما ترك شيئا مما أردت أن أتكلم به إلا جاء به وبأحسن منه ، فقال : يا معشر الأنصار مهما قلتم من خير فيكم فأنتم له أهل ولكن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فكنت لأن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أتأمر ، أو أتولى على قوم فيهم أبو بكر ، فقام حباب بن المنذر فقال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير وإلا أعدنا الحرب بيننا وبينكم جذعة ، فقلت : إنه لا يصلح سيفان في غمد واحد ولكن منا الأمراء ومنكم الوزراء ، ابسط يدك يا أبا بكر أبايعك ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار وارتفعت الأصوات وكثر اللغط ونزوا [ ص: 302 ] على سعد فقالوا : قتلتم سعدا ، فقلت : قتل الله سعدا فمن زعم أن بيعة أبي بكر كانت فلتة فقد كانت فلتة ، ولكن وقى الله شرها ، فمن كان فيكم تمد الأعناق إليه مثل أبي بكر - رضي الله عنه - إلا من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع لا هو ولا من بويع له تغرة أن يقتل " .

[ ص: 303 ] وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر ، بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه ، ورواه عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، عن عمر غير واحد ، وابن عيينة حسن السياق له .

التالي السابق


الخدمات العلمية