الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6793 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن معمر عن الزهري أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه الناس عامة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : هشام ) هو ابن يوسف الصنعاني .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث : قوله : إنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ) هذا الذي حكاه أنس أنه شاهده وسمعه كان بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة كما سبق بسطه وبيانه في " باب رجم الحبلى من الزنا " وذكر هناك أنه بايعه المهاجرون ثم الأنصار فكأنهم لما أنهوا الأمر هناك وحصلت المبايعة لأبي بكر جاءوا إلى المسجد النبوي فتشاغلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر عمر لمن لم يحضر عقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ما وقع هناك ، ثم دعاهم إلى مبايعة أبي بكر فبايعه حينئذ من لم يكن حاضرا ، وكل ذلك في يوم واحد ، ولا يقدح فيه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند الإسماعيلي " أن عمر قال : أما بعد ، فإني قلت لكم أمس مقالة " لأنه يحمل على أن خطبته المذكورة كانت في اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك ، وزاد في هذه الرواية " قلت لكم أمس مقالة " وإنها لم تكن كما قلت والله ما وجدت الذي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن رجوت أن يعيش . إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال ) يعني " عمر " ( كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا ) ضبطه ابن بطال وغيره بفتح أوله وسكون الدال وضم الموحدة ، أي " يكون آخرنا " قال الخليل : دبرت الشيء دبرا أتبعته ، ودبرني فلان : جاء خلفي . وقد فسره في الخبر بقوله : يريد بذلك أن يكون آخرهم " ووقع في رواية عقيل " ولكن رجوت أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبر أمرنا " وهو بتشديد الموحدة وعلى هذا فيقرأ الذي في الأصل كذلك ، والمراد بقوله يدبرنا : يدبر أمرنا لكن وقع في رواية عقيل [ ص: 222 ] أيضا " حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا " وهذا كله قاله عمر معتذرا عما سبق منه حيث خطب قبل أبي بكر حين مات النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت " وقد سبق ذلك واضحا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات ) هو بقية كلام عمر ، وزاد في رواية عقيل ، فاختار الله لرسوله الذي يبقى على الذي عندكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا ) يعني " القرآن " ووقع بيانه في رواية معمر عن الزهري في أوائل الاعتصام بلفظ " وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا كما هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم " ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عند أبي نعيم في المستخرج " وهدى الله به محمدا فاعتصموا به تهتدوا فإنما هدى الله محمدا به " وفي رواية عقيل " قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم فخذوا به تهتدوا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ ) قال ابن التين قدم الصحبة لشرفها ، ولما كان غيره قد يشاركه فيها عطف عليها ما انفرد به أبو بكر وهو كونه " ثاني اثنين " وهي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال " وإنه أولى الناس بأموركم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فقوموا فبايعوه وكان طائفة إلخ ) فيه إشارة إلى بيان السبب في هذه المبايعة ، وإنه لأجل من لم يحضر في سقيفة بني ساعدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وكانت بيعة العامة على المنبر ) أي في اليوم المذكور ، وهو صبيحة اليوم الذي بويع فيه في سقيفة بني ساعدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال الزهري عن أنس ) هو موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي مختصرا من طريق عبد الرزاق عن معمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر ) في رواية عبد الرزاق عن معمر عند الإسماعيلي " لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا "

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حتى صعد المنبر ) في رواية الكشميهني " حتى أصعده المنبر " قال ابن التين : سبب إلحاح عمر في ذلك ليشاهد أبا بكر من عرفه ومن لم يعرفه ، انتهى . وكان توقف أبي بكر في ذلك من تواضعه وخشيته .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فبايعه الناس عامة ) أي كانت البيعة الثانية أعم وأشهر وأكثر من المبايعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة . وقد تقدمت الإشارة إلى بيان ذلك عند شرح أصل بيعة أبي بكر من " كتاب الحدود "




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية