الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع :

                                                                                                                في الكتاب إن صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أعاد في الوقت ، وكذلك جلدها إذا دبغ ، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي ، وتوقف في الكيمخت قال ابن يونس : يريد صلى بلحمها ناسيا وبجلدها المدبوغ عامدا أو ناسيا وتوقف في الكيمخت ; لأنه لم يزل في سيوف الصحابة وهم يصلون بها .

                                                                                                                فائدة :

                                                                                                                في التنبيهات : الكيمخت بفتح الكاف بعدها ياء باثنتين من تحتها ساكنة [ ص: 94 ] وفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ، وآخره تاء باثنتين فوقها - وهو جلد الفرس - وشبهه غير مذكى ، فارسي استعمل . وأما المكان فليكن كل ما يماسه عند القيام والسجود والجلوس طاهرا ، وأما ما لا يلابسه فلا يضره ، كما قال في الكتاب : يجوز أن يصلي على طرف حصير بطرفه الآخر نجاسة ، وقال أبو حنيفة : إذا كان موضع قدميه طاهرا صحت الصلاة ، ولو كان موضع ركبتيه نجسا ، وفي الجبهة عنه روايتان بناء منه على أن الركبتين واليدين لا يجب السجود عليهما ، وإنما يجب عند تطهير ما يجب السجود عليه ويرد عليه الثوب النجس الزائد الذي لا يجب لبسه مع فساد الصلاة به .

                                                                                                                فائدة :

                                                                                                                قال صاحب التلقين : الجسد يجب تطهيره ، وأما الثوب فلا يتوجه عليه فرض إلا في ترك النجس منه أو وجوب الإزالة إن اختاره أو وجب لبسه . يريد أن الجسد إذا كان نجسا توجه الخطاب بإزالة النجاسة عنه ; لتعذر فعل الصلاة بدونه ، وأما الثوب فلا يجب تطهيره لحصول مقصود الشرع بالترك ، فإن اختاره المكلف لسترته أو وجب لبسه لعدم غيره صار كالجسد تجب إزالة النجاسة عنه ، وهذا بعينه يتجه في المكان ولم يذكره . وفي الجواهر لو صلى على حصير ونحوه مما ينتقل وطرفه متصل بنجاسة ففي تنزيله منزلة المتصل بجسده قولان للمتأخرين قال : واختار عبد الحق أنه لا يتنزل [ ص: 95 ] وهذا خلاف ما في الكتاب كما تقدم ، والذي رأيته لعبد الحق خلاف هذا ، وهو أنه لما ذكر مسألة الكتاب في الحصير وبينها قال : وإن كان يتحرك موضع النجاسة فالمختار عن جماعة من شيوخنا أنه لا يضر ، ومنهم من راعى تحريك موضع النجاسة وليس بصحيح . وقولنا يتحرك بحركة المصلي مباين لقولنا هو مما يتنقل ولا يحسن تمثيله بالحصير فإنه يتنقل ، ولا يتحرك بحركة المصلي . ويلحق بالمكان النجس ما تكره الصلاة فيه ، وهو أربعة عشر موضعا ، أحدها قال في الكتاب : لا بأس بالصلاة وأمامه جدار مرحاض .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : إن كان ظاهره طاهرا لا رشح فيه فلا يختلف في صحة الصلاة ، وإن كانت مكروهة ابتداء ; لأن المصلي ينبغي أن يكون على أحسن الهيأت مستقبلا أفضل الجهات ; لأنه يناجي الله تعالى ، وقد قال ابن القاسم في العتبية : إذا كان أمامه مجنون لا يتطهر أو صبي أو امرأة فليتنح عنهم ، وكذلك الكافر فإن كان ظاهره يرشح فيختلف فيه ، والمذهب أن صلاته صحيحة بغير إعادة ، وقال ابن حبيب : من تعمد الصلاة إلى نجاسة أمامه أعاد إلا أن تبعد جدا ويواريها عنه بشيء فقاس المصلى إليه على المصلى عليه ونحن نقيسها على ما على يمينه أو يساره أو خلفه . وثانيها الثلج قال في الكتاب : لا بأس بالصلاة على الثلج . قال صاحب الطراز : يكره لفرط برودته المانعة من التمكن من السجود كالمكان الحرج . وثالثها المقبرة ، قال في [ ص: 96 ] الكتاب : لا بأس بالصلاة إلى القبر وفي المقبرة ، وبلغني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يفعلون ذلك . قال صاحب الطراز : ومنع ابن حنبل من الصلاة إلى القبر وفي المقبرة . والمقبرة تنقسم إلى مقبرة الكفار والمسلمين ، وعلى التقديرين فإما أن يتيقن نبشها أو عدمه ، أو يشك في ذلك فهذه ستة أقسام : منع أحمد والشافعي جميع ذلك ، واختلف قول أحمد في صحة الصلاة : فمرة حمل النهي على التعبد لا على النجاسة فحكم بالصحة ، وفرق ابن حبيب بين قبور المسلمين والمشركين فمنع من قبور المشركين ; لأنه حفرة من حفر النار ، وقال : يعيد في العامرة أبدا في العمد والجهل لبقاء نبشها النجس ، ولا يعيد في الداثرة لذهاب نبشها ، وبين قبور المسلمين فلم يمنع كانت داثرة أو عامرة ، قال صاحب الطراز : ويحمل قوله في الكتاب على أن المقبرة لم تنبش ، أما المنبوشة التي يخرج منها صديد الأموات وما في أمعائهم فلم يتكلم عليه مالك . حجتنا أن مسجده - عليه السلام - كان مقبرة للمشركين فنبشها - عليه السلام - وجعل مسجده موضعها ، ولأنه عليه السلام صلى على قبور الشهداء وهذه المسألة مبنية على تعارض الأصل والغالب ، فرجح مالك الأصل وغيره الغالب ، حجة المخالف ما في الترمذي : نهى عليه السلام أن يصلى في سبعة مواضع : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، ومعاطن الإبل ، وفي الحمام ، وفوق ظهر بيت الله عز وجل . وقال عليه السلام : لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلوا إليها . رابعها الحمام ، قال في الكتاب : إذا كان [ ص: 97 ] موضعه طاهرا فلا بأس به ، وكرهه الشافعي والقاضي عبد الوهاب ، ومنعه ابن حنبل مع سطحه ، وجه المذهب قوله عليه السلام في مسلم : " وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " .

                                                                                                                حجة الكراهة :

                                                                                                                الحديث السابق ، ولأنه موضع النجاسات ، وكشف العورات . خامسها : أعطان الإبل أجاز في الكتاب الصلاة في مرابض الغنم والبقر ، وقال : لا خير في معاطن الإبل . قال المازري : وروي عن مالك لا يصلى فيها ، ولو لم يجد غيرها ولو بسط عليها ثوبا . وفي مسلم أن رجلا سأله عليه السلام فقال : أصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم ، فقال : أصلي في مبارك الإبل ؟ قال : لا . وفي أبي داود صلوا في مرابض الغنم ; فإنها بركة ، ولا تصلوا في مبارك الإبل ; فإنها من الشياطين . واختلف في الفرق بينهما على ستة مذاهب : فقيل لأن أهلها يستترون بها ; لقضاء الحاجة وهو مذهب ابن القاسم وابن وهب وابن حبيب ، وقيل لنفارها ، وقيل لكثرة ترابها ووسخها فتمنع من تمام السجود ، ومراح الغنم نظيف ، وقيل لأنها تقصد السهول فتجتمع النجاسة فيها ، والغنم تقصد الأرض الصلبة ، وقيل لسوء رائحتها ، والصلاة مأمور فيها [ ص: 98 ] بحسن الرائحة ، ولذلك تبخر المساجد ، وقيل لأنها خلقت من الشياطين ، والصلاة يبعد بها عن مواضعهم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية