الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
5711 - ( العلم حياة الإسلام وعماد الإيمان ومن علم علما أتم الله له أجره ومن تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم ) (أبو الشيخ عن ابن عباس ) - (ض) .

التالي السابق


( العلم حياة الإسلام ) ؛ أي:؛ لأن الإسلام لا تعلم حقيقته وشروطه وآدابه إلا به (وعماد الدين) ؛ أي: معتمده ومقصوده الأعظم (ومن علم علما أتم) بمثناة فوقية بخط المصنف وفي خبر يأتي أنمى (الله له أجره) بالنون ومعنى أتم أكمل ففي المصباح تم الشيء يتم تكملت أجزاؤه، أنمى زاد (ومن تعلم فعمل علمه الله ما لم يعلم) ؛ أي: العلم اللدني الذي هو موهبة من الله يدرك به العبد ما للنفس من الحظوظ والفرض وما للحق من الحقوق والمفترض فيترك ما لها من الحظوظ ويقوم بما للحق من الحقوق وهو معنى قول البعض أراد به إلهامه علم ما لم يتعلم من مزيد معرفة الله وخدع النفس والشيطان وغرور الدنيا وآفات العمل من نحو عجب ورياء وكبر ورياضة النفس وتهذيبها وتحمل الصبر على مر القضاء والشكر على النعماء والثقة بما وعد والتوكل عليه وتحمل أذى الخلق وقد ثبت أن دقائق علوم الصوفية منح إلهية ومواهب اختصاصية لا تنال بمعتاد الطلب فلزم مراعاة وجه تحصيل ذلك وهو ثلاث: الأول العمل بما علم على قدر الاستطاعة. الثاني اللجأ إلى الله على قدر الهمة. الثالث إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأهل السنة ليحصل الفهم وينتفي الخطأ ويتيسر الفتح، وقد أشار لذلك الجنيد بقوله: ما أخذنا التصوف عن القيل والقال والمراء والجدال بل عن الجوع والسهر ولزوم الأعمال، قال الغزالي : من انكشف له ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري؛ فقد صار عارفا بصحة الطريق، ومن لم ير ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جدا ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والوقائع فكل حكم يظهر في القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام، وقال حجة الإسلام : يتعين أن يكون أكثر الاهتمام بعلم الباطن ومراقبة القلب ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة فجاهد تشاهد دقائق علم القلوب وتتفجر منها ينابيع الحكمة من القلب، أما الكتب في التعليم فلا تفي بذلك بل الحكمة الخارجة عن الحصر الخارجة عن الحصر والحد إنما تنفتح بالمجاهدة، قال: وكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة وكم من مقتصر على المهم في التعلم ومتوفر على العمل ومراقبة القلب فتح الله له من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب فلذلك قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من تعلم فعمل … إلخ، وفي بعض الكتب السالفة: يا بني إسرائيل لا تقولوا العلم في السماء من ينزله ولا في تخوم الأرض من يصعد به، ولا من وراء البحار من يعبر يأتي به، العلم محصور في قلوبكم تأدبوا بين يدي بآداب الروحانيين وتخلقوا بأخلاق الصديقين أظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم ويعمركم. انتهى. وقال الإمام مالك : علم الباطن لا يعرفه إلا من عرف علم الظاهر فمتى علم الظاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن، ولا يكون ذلك إلا مع فتح قلبه وتنويره، وقال: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذفه الله في القلب، يشير إلى علم الباطن (تتمة) قال يحيى بن معاذ : التقى ابن أبي الحواري وأحمد بن حنبل، فقال أحمد حدثنا بحكاية سمعتها من أستاذك الداراني، فقال يا أحمد : قل سبحان الله وطولها بلا عجب، قال سبحان الله وطولها بلا عجب، قال سمعته يقول إذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما فقام أحمد وقعد ثلاثا، وقال سمعت في الإسلام بحكاية أعجب من هذه ثم ذكر حديث (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم) . قال التونسي : اجتمع العارف علي وفا والإمام البلقيني فتكلم علي معه بعلوم بهرت عقله ،فقال البلقيني : من أين لك هذا يا علي قال: من قوله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله فأسكت

(أبو الشيخ) [ ص: 389 ] ابن حبان (عن ابن عباس )



الخدمات العلمية