الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
صداق الشيء بعينه لا يدفع حتى يزيد أو ينقص ( أخبرنا الربيع ) قال ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أمة أو ماشية فلم يدفعها إليها حتى تناتجت في يديه ثم طلقها قبل أن يدخل بها كان لها النتاج كله دونه لأنه نتج في ملكها ونظر إلى الماشية فإن كانت بحالها يوم أصدقها إياها وأزيد فهي لها ويرجع عليها بنصف الماشية دون النتاج ، وإن كانت ناقصة عن حالها يوم أصدقها إياها كان لها الخيار فإن شاءت أخذت منه أنصاف قيمتها يوم أصدقها إياها وإن [ ص: 69 ] شاءت أخذت أنصافها ناقصة ، وهكذا لو كانت أمة فولدت أو عبيدا فأغلوا ( قال الربيع ) وللشافعي قول آخر أنها إن شاءت أخذت نصفها ناقصة وإن شاءت رجعت بنصف مهر مثلها وهو أصح قوليه وآخر قوليه ( قال الشافعي ) وإن كان النتاج أو ولد الجارية هلك في يديه أو نقص وقد سألته دفعه فمنعها منه فهو ضامن لقيمته في أكثر ما كانت قيمة قط وضامن لنقصه ويدفعه كضمان الغاصب لأنه كان عليه أن يدفعه فمنعه ولم يدفعه ( قال الشافعي ) ولو عرض عليها أن يدفع إليها الأمة فأقرتها في يديه قبل أن تقبضها منه أو لم يمنعها دفعها ولم تسأله إياها كان فيها قولان أحدهما أنه لا يضمن الجارية إن نقصت وتكون بالخيار في أن تأخذها ناقصة أو تدعها فإن ماتت رجعت بمهر مثلها والآخر أن يكون كالغاصب ولكنه لا يأثم إثم الغاصب لأنه ضامن له ولا يخرجه من الضمان إلا أن يدفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها فإن دفعه إليها أو إلى وكيل لها بإذنها ثم ردته إليه بعد فهو عنده أمانة لا يضمن شيئا منه بحال .

( قال الشافعي ) وإذا لم يدفعه إليها فترده إليه فما أنفق عليه لم يرجع به وهو متطوع به ومتى جنى عليه في يديه إنسان فأخذ له أرشا فلها الخيار إن أحبت فلها الأرش لأنه ملك بمالها وإن أحبت تركته عليه لأنه ناقص عما ملكته عليه وإن كان منعها منه فأحبت ضمنت الزوج ما نقص في يديه قال وما باع الزوج منه أو من نتاج الماشية فوجد بعينه فالبيع مردود وإن فات فلها عليه قيمته لأنه كان مضمونا عليه ولا يكون له أن يأخذ الثمن الذي باع به لأنه متعد فيه وأن الشيء بعينه لو وجد كان البيع فيه مردودا ولو أرادت إجازة البيع فيه إن كان قائما لم يجز البيع ولا يحل له هو أن يملكه لأنه ما لم يكن له فلا يخرجه منه إلا رده على صاحبه الذي باعه أو أن يهبه له صاحبه الذي ابتاعه منه .

( قال الشافعي ) وإذا لقي صاحبه وقد فاتت السلعة في يديه فالمشتري ضامن لقيمتها يقاصه بها من الثمن الذي تبايعا به ويترادان الفضل عند أيهما كأن كان ثمنها مائة دينار وقيمتها ثمانون فيرجع المشتري على البائع بعشرين وكذلك لو كان ثمنها ثمانين وقيمتها مائة رجع البائع على المشتري الذي هلكت في يديه بعشرين قال وإنما فرقت بين ثمن ما باع من مالها وبين أرش ما أخذ فيما جنى على مالها من قبل أنها هي لم يكن لها فيما جنى على مالها إلا الأرش أو تركه ولها فيما بيع من مالها أن ترده بعينه وإن فات فلها عليه قيمته ولا يكون لها أن تملك ثمنه إن كان أكثر من ثمنه لأنه لم يكن لها إجازة بيعه ، والفضل عن ثمنه لمبتاعه البيع الذي لا يجوز لأنه ضامن له بالقيمة قال ولو أصدقها نخلا أو شجرا فلم يدفعه إليها حتى أثمرت في يديه فجعل الثمر في قوارير جعل عليه صقرا من صقر نخلها أو جعله في قرب كان لها أخذ الثمر بالصقر وأخذه محشوا وله نزعه من القوارير والقرب لأنها له إن كان نزعه لا يضر بالثمر فإن كان إذا نزع من القرب فسد ولم يكن سقي بشيء عمل به كان لها أن تأخذه وتنزع عنه قربه وتأخذ منه ما نقصه لأنه أفسده إلا أن يتطوع بتركها وهكذا كل ثمرة رببها أو حشاها على ما وصفت وإن كان ربب الثمرة برب من عنده كان لها أن تأخذ الثمرة وتنزع عنها الرب إن كان ذلك لا يضر بها ولا ينقصها شيئا وإن كان ينقصها شيئا نزعت عنها الرب وأخذت قيمة ما نقصها بالغة ما بلغت وأجرة نزعها من الرب لأنه المتعدي فيه .

( قال الشافعي ) وكل ما أصيبت به الثمرة في يديه من حريق أو جراد أو غيره فهو ضامن له إن كان له مثل [ ص: 70 ] فمثله وإن لم يكن له مثل فمثل قيمته وإن بقي منه شيء فقيمة ما نقصه وهو كالغاصب فيما لا يضمن لا يخالف حاله في شيء إلا في شيء واحد يعذر فيه بالشبهة إن كان ممن يجهل أو تأول فأخطأ ذلك ولو كان أصدقها جارية فأصابها فولدت له ثم طلقها قبل الدخول وقال كنت أراها لا تملك إلا نصفها حتى تدخل فأصبتها وأنا أرى أن لي نصفها قوم الولد عليه يوم يسقط ويلحق به نسبه وكان لها مهر مثل الجارية وإن شاءت أن تسترق الجارية فهي لها وإن شاءت أخذت قيمتها أكثر مما كانت قيمتها يوم أصدقها أو يوم أحبلها وكانت الجارية له ولا تكون أم ولد بذلك الولد ولا تكون أم ولد له إلا بوطء صحيح وإنما جعلت لها الخيار لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها إياها قبل أن تلد ( قال الشافعي ) ولو أصدقها أرضا فدفعها إليها فزرعتها أو أزرعتها أو وضعت فيها حبابا ثم طلقها قبل أن يدخل بها وفيها زرع قائم رجع عليها بنصف قيمة الأرض لا أجعل حقه في الأرض مستأخرا وهو حال ولا أجعل عليه أن ينتظر الأرض حتى تفرغ ثم يأخذ نصفها لأنها إن كانت مشغولة في ملكها فصار حقه في قيمة لم يتحول في غيرها إلا أن يجتمعا على ذلك جميعا فيجوز ما اجتمعا عليه فيه وكذلك إن كانت حرثتها ولم تزرعها ولو كانت غرستها أو بنت فيها كان له قيمتها يوم دفعها إليها .

( قال الشافعي ) ولو كانت زرعتها وحصدتها ثم طلقها وهي محصودة فله نصف هذه الأرض إلا أن يكون الزرع فيها زائدا لها فلا يكون له أن يأخذها زائدة إلا أن تشاء هي فلا يكون له غيرها وإن كان الزرع نقصها فله نصف قيمتها ولا يكون عليه أن يأخذها ناقصة إلا أن يشاء هو أخذها فإذا شاء هو أخذها وهي ناقصة لم يكن لها منعه من نصفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية