الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وأما الحال التي يجوز فيها الفداء - فروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني قال : كان أبو قلابة يرى أن المرأة إذا فجرت فاطلع زوجها على ذلك فليضربها حتى تفتدي .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا لا معنى له إذا رأى ذلك وهي محصنة حل له قتلها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق إسماعيل بن إسحاق نا مسدد نا المعتمر بن سليمان التيمي سمعت أبي يقول : إن أبا قلابة ، ومحمد بن سيرين كانا يقولان : لا يحل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا قال الله تعالى : { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا في الإخراج من البيوت من العدة ، لا في الخلع .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة نا حميد أن بكر بن عبد الله المزني سأل الحسن عمن رأى امرأته يقبلها رجل غيره ؟ قال : قد حل أن يخلعها .

                                                                                                                                                                                          روينا عن علي - ولا يصح - يطيب الخلع للرجل إذا قالت : والله لا أبر لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أكرم لك نفسا - فيها إسرائيل - وهو ضعيف - عن جابر - وهو كذاب .

                                                                                                                                                                                          وعنه أيضا - من طريق فيها إبراهيم بن أبي يحيى : يحل خلع المرأة ثلاثا إذا أفسدت عليك ذات يدك ، أو دعوتها لتسكن إليها فأبت ، أو خرجت بغير إذنك .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة أخبرني مروان الأصفر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال : لا يصح الخلع حتى تقول المرأة : والله لا أطيع لك أمرا ، ولا أغتسل لك من جنابة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء ، ومجاهد ، قال أحدهما : لا يصح [ ص: 523 ] الخلع حتى لا تغتسل له من جنابة ، ولا تطيع له أمرا ، ولا تبر له قسما ، وقال الآخر : لو فعلت هذا كفرت ، ولكن حتى تقول : لا أبر لك قسما ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أطيع لك أمرا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال : الخلع إذا قالت : والله لا أغتسل لك من جنابة - وكل هذا لا برهان على صحته .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذ منها .

                                                                                                                                                                                          من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : لا يحل له أخذ شيء من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها ، أن تظهر له البغضاء ، وتسيء عشرته وتعصي أمره ، ولا يحل له أن يأخذ أكثر مما أعطاها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه في الخلع قال : قال الله عز وجل : { أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } . ولم يكن يقول قول السفهاء : لا يحل له حتى تقول : لا أغتسل لك من جنابة ، لكن { أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } تعالى فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا هو الحق ، لقوله تعالى الذي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : الخلع جائز بتراضيهما وإن لم يخف منهما نشوزا ولا إعراضا ولا خافا { أن لا يقيما حدود الله } وهذا خطأ ، لأنه قول بلا برهان .

                                                                                                                                                                                          وأما الخلع الفاسد - فقد أجازه قوم : وما أعلم لهم حجة ، وكيف يجوز عمل فاسد ، والله تعالى يقول : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا - وهو مضار بها - فإن فعل لزمه الطلاق ، وجاز له ما أخذ .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : في هذا القول عجب ، لئن كان لا يحل له أن يأخذه فما يحل له إذا [ ص: 524 ] أخذه ، ولئن كان يحل له إذا أخذه : أنه ليحل له أن يأخذه ؟ - وما عدا هذا فوساوس .

                                                                                                                                                                                          وقال الزهري ، ومالك : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا - وهو مضار لها - فإن فعل لزمه الطلاق ، ويرد ما أخذ ؟ وهذه أيضا مناقضة ، لأنه إن لزمه الطلاق وجب له تملك ما أخذه عوضا عن الطلاق ، وإن لم يجب له تملك ما أخذه عوضا من الطلاق : لم يلزمه الطلاق ، لأنه لم يطلق طلاقا مطلقا ، بل طلاقا بعوض ، لولاه لم يطلق .

                                                                                                                                                                                          وقال قتادة : إن أخذه منها وهو مضار لها يرد ما أخذ ، وله أن يرجع إليها ما دامت في العدة ، ولا يرجع إليها بعد انقضاء العدة إلا برضاها ؟ وهذا خطأ ، لأنه إن كان الطلاق له لازما ، فالذي أخذ له ملك ، إلا إن كان يقول : إن طلاق الخلع طلاق رجعي ؟ فقد قلنا : إذا لم يصح العوض الذي لم يعقد الطلاق إلا عليه : لم يصح الطلاق الذي لا وقوع له بصحة ملك المطلق لما أخذ عوضا من الطلاق .

                                                                                                                                                                                          وقول عطاء أنه إن افتدت منه وكانت له مطاوعة فإنها ترجع إليه ، ومالها لها ، إلا أن تكون الثالثة فتذهب - : روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عنه ، فهو أيضا خطأ لما ذكرنا في بطلان قول قتادة ، ومالك ، وقول طاوس هو الحق : رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال : إن أخذ فداءها - ولا يحل له أخذه - رجع إليها مالها ورجعت إليه ، ولم تذهب بنفسها ومالها - وهذا الذي لا يجوز غيره ، لما ذكرنا قبل .

                                                                                                                                                                                          وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية