الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لا تدركه الأبصار الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية الكريمة توهم أن الله تعالى لا يرى بالأبصار ، وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه يرى بالأبصار ، كقوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ 75 \ 22 - 23 ] ، وكقوله : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ 10 \ 26 ] ، فالحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله الكريم .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك قوله : لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد [ 50 \ 35 ] ، على أحد القولين ، وكقوله تعالى في الكفار : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [ ص: 280 ] [ 83 \ 15 ] ، يفهم من دليل خطابه أن المؤمنين ليسوا محجوبين عن ربهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن المعنى لا تدركه الأبصار أي في الدنيا فلا ينافي الرؤية في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أنه عام مخصوص برؤية المؤمنين له في الآخرة ، وهذا قريب في المعنى من الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : وهو الحق ، أن المنفي في هذه الآية الإدراك المشعر بالإحاطة بالكنه ، أما مطلق الرؤية فلا تدل الآية على نفيه بل هو ثابت بهذه الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة واتفاق أهل السنة والجماعة على ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وحاصل هذا الجواب : أن الإدراك أخص من مطلق الرؤية لأن الإدراك المراد به الإحاطة ، والعرب تقول : رأيت الشيء وما أدركته ، فمعنى : لا تدركه الأبصار لا تحيط به ، كما أنه تعالى يعلمه الخلق ولا يحيطون به علما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اتفق العقلاء على أن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، فانتفاء الإدراك لا يلزم منه انتفاء مطلق الرؤية ، مع أن الله تعالى لا يدرك كنهه على الحقيقة أحد من الخلق .

                                                                                                                                                                                                                                      والدليل على صحة هذا الوجه ما أخرجه الشيخان من حديث أبي موسى مرفوعا : حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      فالحديث صريح في عدم الرؤية في الدنيا ، ويفهم منه عدم إمكان الإحاطة مطلقا .

                                                                                                                                                                                                                                      والحاصل : أن رؤيته تعالى بالأبصار جائزة عقلا في الدنيا والآخرة لأن كل موجود يجوز أن يرى عقلا ، ويدل لجوازها عقلا قول موسى : رب أرني أنظر إليك [ 7 \ 143 ] ، لأنه لا يجهل الجائز في حق الله تعالى عقلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما في الشرع فهي جائزة وواقعة في الآخرة ممتنعة في الدنيا ومن أصرح الأدلة في ذلك ما رواه مسلم وابن خزيمة مرفوعا : إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا والأحاديث برؤية المؤمنين له يوم القيامة متواترة ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية