الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الفقير ، هل تلزمه زكاة الفطر ؟

                                                                                                                                                                                        اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال : فقال مالك في المدونة فيمن تحل له زكاة الفطر : إنه يؤديها ، قال : وإن كان محتاجا ووجد من يسلفه فليتسلف . وقال ابن حبيب : إذا كان عنده فضل عن قوت يومه أخرجها . يريد : فضلا عن قوته وقوت عياله . وهذا راجع إلى ما في المدونة . وقال أبو محمد عبد الوهاب : يخرجها إذا كان لا يلحقه ضرر بإخراجها من فساد معاشه ، أو جوعه ، أو جوع عياله . وقال ابن الماجشون في المبسوط : الحد الذي تجب به وتسقط من حال اليسر والفقر أنه من كانت تحل له سقطت عنه . وقاله مالك في كتاب محمد ، قيل له : إن كانت له عشرة دراهم فأخرج زكاة الفطر أيأخذ منها ؟ فقال : أيخرج ويأخذ ؟!

                                                                                                                                                                                        لا ، إذا كان هكذا فلا يأخذ ، قيل له : إذا كانت له عشرة دراهم ، فلا يأخذ ، قال : ليس لهذا حد معلوم .

                                                                                                                                                                                        فأوجبها في القول الأول على الفقير لظاهر الحديث ، ولاتفاق المذهب على وجوبها عمن ينفق عليه من صغير أو كبير أو عبد ، وإن كانا فقيرين .

                                                                                                                                                                                        وألزمها في القول الثاني مع الفقر ما لم يؤد ذلك إلى حرج ؛ لأن الدين يسر ، فإن كان رأس ماله الشيء اللطيف ، وله عيال ، كان إخراجها مما يجحف [ ص: 1109 ] به ، وقد يؤدي ذلك إلى أن يتكفف من لم يكن ذلك من شأنه ، وأسقطت في القول الثالث عن الفقير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" فمفهوم هذا : أنها مواساة ممن هو غني لمن هو يتكفف .

                                                                                                                                                                                        ولم يختلف المذهب في أنه ليس من شرط الغني أن يملك نصابا ، واختلف في صفة الفقير الذي تحل له ، فقيل : هو الذي تحل له زكاة العين . وقال أبو مصعب : لا يعطاها من أخرجها ، ولا يعطى فقير أكثر من زكاة إنسان ؛ وهو الصاع . وهذا الظاهر من قوله : "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" ، فكان القصد : غناهم ذلك اليوم ، والقصد بما سواها من الزكوات ما يغنيه عما يحتاج من النفقة والكسوة في المستقبل ، وقد قيل : يعطى ما يكون فيه كفاف لسنته ؛ ولهذا قيل : إنه لا بأس أن يعطى الزكاة من له نصاب لا كفاية فيه ؛ ولا أعلمهم يختلفون أنه لا يعطى زكاة الفطر من يملك نصابا .

                                                                                                                                                                                        واختلف هل تجب على من له عبد ، ولا شيء له سواه ، أو يعطاها ؟ فقال مالك في المبسوط فيمن له عبد لا يملك غيره : عليه زكاة الفطر . فرآه موسرا بالعبد ، وقال في موضع آخر : لا شيء عليه ، وقاله أشهب في مدونته ، ورأى أنها مواساة . وسبيل المواساة : ألا يكلفها من هذه صفته ولا يعطاها من له عبد على قول أبي مصعب ، ويعطاها على القول الآخر . [ ص: 1110 ]

                                                                                                                                                                                        واختلف هل تجب على من عليه دين . فقال أشهب في مدونته : عليه أن يؤديها ، ورآها كزكاة الحرث والماشية : أن الدين لا يسقطها ، وقال : ليس يمنع الدين من الزكاة إلا زكاة العين . وقال أبو محمد عبد الوهاب : يبدأ بأداء الدين ، فإن فضل شيء أدى منه الزكاة ، وإن لم يفضل شيء سقطت عنه . [ ص: 1111 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية