الأسرة .. في الشعر الإسلامي

0 218
  • اسم الكاتب:الشاعر أحمد الصديق

  • التصنيف:المقالات

الأسرة هي الخلية الأولى التي يتألف منها المجتمع الإسلامي ..
   وهي عبارة عن أبوين .. وأولاد .. يعيشون ضمن إطار واحد .. في ظلال من الرحمة .. والمودة .. والتعاون .. بحيث تكون العلاقة والمعاملة فيما بينهم ، محكومة بمبادئ الأخلاق والفضائل والآداب التي جاء بها الإسلام في كتابه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه .
   وصدق الله العظيم حيث يقول في ذلك : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجـا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )(الروم/21) .
   ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجـا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ، ورزقكم من الطيبات )(النحل/72) .
   ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء )(النساء/1) .
   ولما كانت للأسرة هذه الأهمية في الإسلام .. حيث تتحقق بها الحكمة التي أرادها الله في استمرارية النسل ، والمحافظة على النوع الإنساني ، وعلى سلامة النسب ، وصيانة المجتمع من التفسخ والانحلال ، إلى جانب السكن الروحي والاستقرار النفسي ، وإشباع عاطفة الأبوة والأمومة عند الزوجين .
   لما كانت الأسرة بهذه المثابة .. فإنها لابد أن تكون محورا حيويـا تدور عليه رحى الأدب ، في شعره ونثره ، تستثير فيه الفكر والوجدان .. ليعبر عن المعاني والخواطر التي تنبثق عن الصلات الأسرية في حياة الناس .
   ولا شك أن الأولاد هم زينة الأسرة وأنسها ومبعث الحيوية فيها .. كالأزهار والرياحين بالنسبة للروضة اليانعة العطرة .
   ولنقرأ معـا قول الشاعر .. وهو يبين مدى معزة الولد على أبيه فيقول :
وإنمـــا أولادنــا بيـــننا          أكبـادنـا تمشـي على الأرض
لو هبت الريح على بعضـــهم         لامتنــعت عيني عن الغمـض
ويقول آخر :
لقـــد زاد الحيـاة إلي حــــبـا         بنـاتي .. إنهـن من الضعـاف
أحـاذر أن يرين الفقر بعـــــدي        وأن يشـربن رنقـا بعد صـاف
وأن يعـــــرين إن كسي الجواري         فتنبــو العين عن كرم عجاف
وفي وصفه لحالته مع أولاده .. يقول شاعر آخر :
وحـولي أفراخ عــــــش صغار          وأغراس روض الغـد الأجمل
فهـذا رضيع طــــــري الجناح         وذاك يدب علــــى الأرجـل
يطيـــر لحفـته كالفـــــراش         بترحيبـه الباهــر الأمثــل
ينادي ( أبي ) وهو يعـــدو إلي         سعيدا .. يغــــــرد كالبلـبل
ثم يعرض صورة أولاده وهم يقتحمون عليه عزلته مع الكتاب .. ليعرضوا عليه خلافاتهم التي كثيرا ما تنشب بينهم .. بين الحين والآخر .. ولينصبوه حكمـا وقاضيـا .. فيقول :
وإما أردت اصطــحاب الكتـــاب          ذهبـت إلى حجــرتــي أختلـي
وهيهات هيهات كم يهرعــــون        تباعـا .. إلـى بابــي المقــفل
وشكوت الصغــير بحـق الكبيـر       يكفكــف من دمعــــة المسـبل
وإن شـئت بين الخصـوم القضاء         وقعـت هنـالك فـــي مشكـــل
فكـل يدافع عــن نفــــسه           فحيـلة أيـهــما تنطــــلي؟!
كلا الطرفيــن لـه حجـــة            فـأيـن المحـق مـن المبـطل؟!

    وكم ذا يحزن الأبوان .. ويتجرعان الغصص لفراق أولادهما .. ولو كان فراقـا إلى أجل

لو كان يدري الابن أيـة غصـــة          يتجرع الأبوان عنـد فراقــه
لتبـدل الطـبع الغليـظ برقـــة         وجـزاهما بالعطف من أخلاقـه

    إن الدموع التي تترقرق من عيني الأب .. وهو يودع أولاده .. وقد ركبوا مسافرين .. وهو الذي تشح عيناه بالدمع إلا قليلا .. لتنطق بالشعر .. وتترجم عن قلبه المتأجج بعاطفة الأبوة .. فتقول بلسانه :
دمعــي الذي كتمتـه جـلـــدا         لمـا تبـاكـوا .. عندما ركبــــوا
حـتى إذا ساروا .. وقد نزعـــوا         من أضلعــي قلبـا بهم يجـــب
ألفيتــني كالطـفـل عاطــفــة         فإذا بـه كالغيـــث ينسكــــب
قـد يعجب العـذال من رجــــل         يبكـــي .. ولو لم أبـك فالعجب
هيهات .. ما كـل البكـــا خــور         إني وبـي عــزم الرجال .. أب
وبعد .. أليس من أفجع الفواجع ، وأكبر الكبائر التي حرمها الإسلام وتوعد عليها بأشد العذاب .. إن إحسان الوالد بالعقوق من الولد ، ويكون جزاؤه ممن كان سببـا في وجوده وبذل ما بذل في تربيته وتنشئته .. حتى شب عن الطوق ونما وكبر .. أن يكون جزاؤه منه سوء الأدب وقبح المعاملة ونكران الجميل ؟! ..
ولله در الشاعر الذي عبر أحسن تعبير عن هذا المعنى ، وهو يوجه خطابه إلى ولده العاق .. قائلا :
غذوتك مولودا وعلتـك يافعـــــا          تعـل بمـا أدنى إليـك .. وتنهـل
إذا ليلة نابتـك بالسقــم لـــم أبت         لسقمـك إلا ساهـرا أتملمـــل
كأنـي أنا المطــروق دونك بالذي         طرقـت به .. ودني .. فعيني تهمـل
تخاف الردي نفسي عليك .. وإنها           لتعلـم أن الموت حتـم مـؤجــل
فلمـا بلغـت السن والغاية التــي           إليهـا مدى ما كنت فيك أؤمـل
جعلـت جـزائي غلظـة وفظاظة           كـأنك أنـت المنعم المتفــضل
ولا نجد ما نختم به كلمتنا هذه أجمل من الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين ، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين ] . 

مواد ذات صلة