أحكام الفدية

0 1036

من رحمة الله بهذه الأمة أن رفع عنها الأغلال والآصار التي كانت على من قبلها من الأمم ، فخفف عنها أثقال غيرها ، ويسر عليها أمر عبادتها فقال سبحانه : { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا } (النساء: 28) ، وقال جل وعلا: { هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج } (الحج: 78) ، ولهذا جعل الله تعالى للمسلم ما يستدرك به النقص الحاصل في عبادته ، وشرع له ما يكفر به ما ارتكبه من محظور حال العبادة ، ومن هنا جاءت مشروعية الفدية في الحج .

والفدية تجب على المحرم بواحد من الأمور التالية :

-       أن يرتكب محظورا من محظورات الإحرام

-       أن يترك واجبا من واجبات الحج أو العمرة

-       أن يكون متمتعا أو قارنا وهو دم شكران وليس دم جبران .

-       أن يفوته الحج أو يحصر عنه

أما الفدية الواجبة بارتكاب المحظورات فتختلف من محظور لآخر ، وهذه المحظورات يمكن تقسيمها بحسب الفدية إلى أربعة أقسام :

1- ما لا فدية فيه : وهو عقد النكاح ، فإذا عقد المحرم عقد نكاح ، أو عقد له ، فإن العقد باطل في قول أكثر أهل العلم، والعاقد آثم بفعله ، لكن ليس عليه فدية .

2- ما فديته مغلظة : وهو الجماع حال الإحرام ، فإذا جامع المحرم زوجته قبل أن يتحلل التحلل الأول أثم ، وفسد حجه وحجها إذا كانت مطاوعة له ، ولزمهما معا أن يمضيا في حجهما ، ويستمرا فيما بقي عليهما من أعمال ، ثم يقضيا الحج من عامهما القادم ، وتلزم كل واحد منهما فدية ، وهي بدنة يذبحها ويفرق لحمها على فقراء الحرم ، والجماع هو المحظور الوحيد الذي يفسد الحج به ، أما إن حصل الجماع بعد التحلل الأول فإنه حجه لا يفسد بذلك وتلزمه شاة توزع في الحرم .

3- ما فديته المثل أو ما يقوم مقامه : وهو قتل الصيد ، فمن قتل صيد البر المأكول حال إحرامه لزمه واحد من أمور ثلاثة :

أولها : المثل ، وهو أن يذبح الحاج من بهيمة الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) ، ما يماثل الحيوان الذي صاده ، فالنعامة مثلا فيها بدنة ، وحمار الوحش فيه بقرة ، والغزال فيه شاة ، إلى غير ذلك من المثليات التي ذكرها الفقهاء ، ويذبح المثل ويوزع على فقراء الحرم .

ثانيها : الإطعام ، وكيفيته أن يقوم المثل ، ويشترى بقيمته طعاما يوزعه على الفقراء والمساكين ، لكل مسكين نصف صاع .

ثالثها: الصيام ، فينظر عدد المساكين الذين يمكن إطعامهم في الحالة الثانية ، ويصوم عن كل مسكين يوما .

ودليل ذلك قوله سبحانه :{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام } (المائدة: 95) .

4- ما فديته فدية الأذى : وهو حلق الشعر ، وقص الأظافر ، وتغطية الرجل رأسه بملاصق ، ولبس الرجل ما خيط على هيئة البدن ، واستعمال الطيب ، وانتقاب المرأة ولبسها القفازين .

فإذا ارتكب المحرم أحد هذه المحظورات فهو مخير بين أن يذبح شاة ويفرق لحمها على فقراء الحرم ، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، أو يصوم ثلاثة أيام ، وهذه الفدية تسمى فدية الأذى ، وهي المذكورة في قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (البقرة: 196) .

وبقي أن ننبه على أن المحرم إذا كرر فعل محظور من جنس واحد ، وقبل التكفير عنه ، كما لو قص أظافره أكثر من مرة مثلا ، ففيه فدية واحدة ، أما إن كرر محظورا من أجناس مختلفة ، كما لو قص شعره ، وغطى رأسه مثلا ، فعليه فدية لكل واحد منها ، وهذا في غير جزاء الصيد ، ففيه كفارة لكل فعل ، ولو كان من جنس واحد .

هذه أحكام الفدية المترتبة على ارتكاب محظور من محظورات الإحرام ، وأما بالنسبة للفدية المترتبة على ترك الواجب، كترك الإحرام من الميقات ، وعدم الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة ، وترك المبيت بمزدلفة ومنى ، وترك طواف الواداع ، ونحو ذلك من واجبات الحج ، فالواجب فيه شاة ، فإن لم يجد ففي انتقاله إلى الصيام خلاف فمنهم من قال يصوم عشرة أيام قياسا على دم التمتع ، ومنهم من لم يلزمه بالصوم .

إلا أنه يجب التنبه إلى أن المحرم إذا ترك واجبا من واجبات الحج ، فإنه يجب عليه الفدية سواء أكان الترك عمدا أم سهوا ، أم جهلا ، لأنه تارك لنسك ، بخلاف ما لو ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ، التي سبق ذكرها ، جاهلا أو ناسيا أو مكرها ، فلا شئ عليه على الصحيح ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) رواه ابن ماجة وغيره .

وإذا كان الحاج متمتعا أو قارنا ولم يكن من حاضري المسجد الحرام فيجب عليه دم أيضا ، وأقله شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة وهو دم شكران ، فإن لم يجد فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله لقوله تعالى: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } (البقرة: 196)، وحاضرو المسجد الحرام هم أهل الحرم ومن كان منه دون مسافة قصر  .

كما تجب الفدية على من فاته الحج بعد أن أحرم به ، أو أحصر عنه بسبب من الأسباب المانعة له من الوصول إلى الحرم ، على تفصيل بيناه في أحكام الفوات والإحصار والله أعلم.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة