هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المريض

0 1060

إذا كانت النفوس قد جبلت على حب من أحسن إليها وأظهر اهتمامه بها ، فإن هذه المحبة تتعاظم في أحوال الضعف البشري ، حين يلزم المرء الفراش ، وتصيبه العلل ، وتنهكه الأدواء ، عندها يكون للزيارة أثر بالغ ومدلول عميق على مدى التعاطف والمواساة التي يقدمها الزائر لمريضه ، مما يسهم في تقوية الروابط بينهما .

لهذا السبب حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على زيارة المرضى وتفقد أحوالهم ، بل جعل ذلك من حقوق المسلمين المكفولة في الشرع ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( حق المسلم على المسلم خمس - وذكر منها - عيادة المريض ) رواه البخاري .

وقد عمل النبي – صلى الله عليه وسلم – على ترسيخ هذا المبدأ في نفوس أصحابه من خلال ذكر الفضائل العظيمة التي يجنيها المسلم إذا زار أخاه ، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أتى أخاه المسلم عائدا ، مشى في خرافة الجنة – أي طرق الجنة - حتى يجلس ، فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ) رواه ابن ماجة ، وقوله : ( من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ، ناداه مناد : أن طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا ) رواه الترمذي ، وقوله: ( ما من عبد مسلم يعود مريضا لم يحضر أجله ، فيقول سبع مرات : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، إلا عوفي ) رواه الترمذي .

والأخبار في زيارة النبي – صلى الله عليه وسلم -  للمرضى كثيرة ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتفقد أحوال أصحابه ويسأل عنهم ، ويطمئن على صحتهم ، ويشملهم بالرعاية ، ومن أولئك سعد بن أبي وقاص ، و زيد بن الأرقم ، و جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهم أجمعين .

ولم تكن زياراته - صلى الله عليه وسلم - مقتصرة على أصحابه الذين آمنوا به ، بل امتدت لتشمل غير المؤمنين طمعا في هدايتهم ، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادما ، فقد مرض الغلام مرضا شديدا ، فظل النبي – صلى الله عليه وسلم – يزوره ويتعاهده ، حتى إذا شارف على الموت عاده وجلس عند رأسه ، ثم دعاه إلى الإسلام ، فنظر الغلام إلى أبيه متسائلا ، فقال له : أطع أبا القاسم ، فأسلم ثم فاضت روحه ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري .

وتطلعنا سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – على هديه النبوي في زيارة المرضى ، فكان إذا سمع بمرض أحد بادر إلى زيارته والوقوف بجانبه ، وتلبية رغباته واحتياجاته ، ثم الدعاء له بالشفاء وتكفير الذنوب إن كان مسلما ، ودعوته للإسلام إن كان غير ذلك ، ومن دعائه ما ذكرته   عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أتى مريضا :   ( أذهب البأس ، رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء الا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) متفق عليه .

وإذا احتاج المريض إلى رقية بادر عليه الصلاة والسلام إليها ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض : ( بسم الله ، تربة أرضنا ، بريقة بعضنا ، يشفى سقيمنا بإذن ربنا ) متفق عليه ، وربما صب على بعضهم من ماء وضوئه المبارك فيشفى بإذن الله ، كما فعل مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

ومن السنن القولية التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يخفف بها عن المرضى ، تذكيرهم بالأجر الذي يلقاه العبد المبتلى ، للتخفيف من معاناتهم ، وتربيتهم على الصبر واحتساب الأجر ، ومن جملة هذه السنن قوله – صلى الله عليه وسلم – : ( ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة ) رواه ابن ماجة ، وقوله : ( ما من عبد يبتليه الله عز وجل ببلاء في جسده ، إلا قال الله عز وجل للملك : " اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله " ، فإن شفاه الله غسله وطهره ، وإن قبضه غفر له ورحمه ) رواه أحمد ، وعندما قام النبي – صلى الله عليه وسلم – بزيارة أم السائب رضي الله عنها فسمعها تسب الحمى التي أصابتها ، فقال لها : ( لا تسبي الحمى ؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ) رواه مسلم .

ومن ذلك أيضا إرشاده عليه الصلاة والسلام إلى التداوي بأنواع العلاجات المختلفة التي يعرفها ، كالحث على الحجامة ، ووضع الماء البارد على المحموم ، والإرشاد إلى العلاج بالعسل والحبة السوداء ، وغير ذلك من العلاجات المباحة غير المحرمة التي يشملها قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( يا عباد الله تداووا ؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ) رواه الترمذي .

ولم يكن عليه الصلاة والسلام يغفل جانب التذكير والنصح بما يناسب المقام ، فمرة يذكر بحق الأقرباء في الإرث وينهى عن الوصية بما يزيد عن الثلث – كما فعل مع سعد بن أبي وقاص - ، ومرة يشير إلى أهمية اجتماع الخوف والرجاء في مرض الموت كما حصل عند احتضار أحد الصحابة ، وثالثة ينهى عن تمني الموت وضرورة الاستعداد للقاء الله كما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه .

وهكذا ضرب لنا عليه الصلاة والسلام أعظم الأسوة في أهمية كسب القلوب واستغلال الأحوال المختلفة في دعوة الناس وهدايتهم ، لعل مغاليق القلوب تفتح أبوابها للهدى والحق .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة