أهم الأحداث بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة

2 1678

بين عمرة القضاء وغزوة مؤتة أيام قليلة ، ولكنها لم تخل من أحداث مهمة ومواقف مشهودة في حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – خاصة ، وحياة المسلمين عامة.

فبعد عمرة القضاء التي كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة ، وما تحقق خلالها من معاني العزة والكرامة ، جاءت الأحداث التالية :

الزواج من أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث

بمجرد أن انتهى النبي – صلى الله عليه وسلم – من مناسك الإحرام تقدم للزواج من ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وهو بمكة ، فأوكلت رضي الله عنها أمر زواجها للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وبذلك تكون ميمونة رضي الله عنها آخر من تزوج بهن النبي – صلى الله عليه وسلم .

وقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – من زواجه هذا أن يكون حلقة وصل بينه وبين أهل مكة ، لكنهم منعوه من المكوث في الحرم بعد انقضاء المهلة التي اتفقوا عليها وقالوا : "إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا " ، فقال لهم : ( وما عليكم لو تركتموني ، فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما ، فحضرتموه ؟ ) ، فقالوا له : " لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا " ، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .

فخرج النبي – صلى الله عليه وسلم من مكة ، وبنى بميمونة رضي الله عنها في موضع يقال له " سرف " ، وهو ذات الموضع الذي توفيت فيه ، فرضي الله عنها وأرضاها .

لحوق بنت حمزة بن عبد المطلب بركب المسلمين

كان لحمزة رضي الله عنه بنت تقيم في مكة يقال لها عمارة ، وعندما أنهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عمرته وتوجه إلى المدينة لحقته عمارة وقامت تناديه ، فأدركها ابن عمها علي بن أبي طالب رضي الله عنها وسلمها لفاطمة عليها السلام وقال : " دونك ابنة عمك فاحمليها " ، فاختصم في شأنها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم كلهم يريد رعايتها وتولي شؤونها ، فقال علي : " أنا أحق بها ، وهي ابنة عمي " ، وقال جعفر : " ابنة عمي وخالتها تحتي " ، وقال زيد : " ابنة أخي " ، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال : ( الخالة بمنزلة الأم ) ، ثم أراد تطييب خاطر الثلاثة فقال لعلي : ( أنت مني وأنا منك ) ، وقال لجعفر : ( أشبهت خلقي وخلقي ) ، وقال لزيد :   ( أنت أخونا ومولانا ) رواه البخاري .

إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة

من النتائج العظيمة التي أفرزتها عمرة القضاء إسلام ثلاثة من خيرة فتيان قريش وأشرافها ، فقد أسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه ، القائد المظفر الذي لم يهزم في معركة طيلة حياته ، وأسلم عمرو بن العاص داهية العرب وخيرة فرسانها ، وأسلم معهما أيضا عثمان بن طلحة حارس الكعبة المشرفة ، فكان ذلك الحدث يوم فرح للمسلمين .

وقد هيأ الله تعالى أسباب إسلام هؤلاء الثلاثة مبكرا ، فبعد غزوة الأحزاب جمع عمرو بن العاص رضي الله عنه عددا من أصحابه ، وأشار عليهم بالرحيل إلى النجاشي حتى يروا ما يؤول إليه أمر المسلمين ، فإن انتصروا على قريش  عاشوا في الحبشة ما بقي من عمرهم ، وإن هزمتهم قريش عادوا إلى بلادهم ، فاستحسن أصحابه رأيه ، فتجهزوا للرحيل ولم ينسوا هداياهم إلى ملك الحبشة .

وبينما هم في الغربة إذ قدم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي يسأل عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه ، فرأى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنها فرصة سانحة للقضاء عليه ، فدخل على النجاشي وسأله أن يمكنه من قتل ابن أمية ، فغضب الملك غضبا شديدا وضرب ابن العاص في أنفه حتى كاد أن يكسره ، فقال له : " أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه " ، فأجابه الملك : " أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ " ، فتعجب عمرو رضي الله عنه وقال : " أيها الملك ، أكذاك هو ؟ " ، فقال له : " ويحك يا عمرو ، أطعني واتبعه ؛ فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده " ، عندها شرح الله صدره بالإسلام ، وطلب من النجاشي أن يبايعه على الإسلام ، فبايعه .

وكتم عمرو بن العاص رضي الله عنه خبر إسلامه عن أصحابه ، وعاد إلى مكة ، حتى رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – من عمرة القضاء ، فخرج رضي الله عنه يريد اللحاق بالنبي عليه الصلاة والسلام وإعلان إسلامه ، وفي طريقه لقي خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة رضي الله عنهم واتفقوا على السير سويا ، وقد عبر خالد عن قناعته بالإسلام قائلا : " والله لقد استقام المنسم – يعني تبين الطريق - ، وإن الرجل لنبي ، أذهب والله أسلم ، فحتى متى ؟ " .

وتسامع الناس في المدينة بقدوم هذا الركب المبارك مسلما ، فأسرعوا بإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فاستقبلهم ورحب بهم ، وهنأهم على الهداية إلى الحق ، وبايعهم على الإسلام ، رواه أحمد .

ولما جاء دور عمرو بن العاص رضي الله عنه للمبايعة تردد وقبض يده ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( مالك يا عمرو ؟ ) ،  فقال له : " أردت أن أشترط " ، فقال : ( تشترط بماذا ؟ ) ، فقال عمرو : " أن يغفر لي " ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ؟ ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ ، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ) رواه مسلم .

سرية غالب بن عبدالله إلى الكديد

بعث رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - غالب بن عبد الله الكلبي رضي الله عنه للإغارة على بني ملوح في " الكديد " ، فانطلق رضي الله عنه ومعه بضعة عشر رجلا ، وفي الطريق لقي المسلمون الحارث بن مالك الليثي فأمسكوا به واقتادوه إلى قائدهم ، فقال الحارث : " إنما جئت لأسلم " ، فشك غالب رضي الله عنه في أمره فقال له : " إن كنت إنما جئت مسلما فلن يضرك رباط يوم وليلة ، وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك " ، فأوثقوا رباطه ثم جعلوا عليه حارسا ، وأوصى غالب رضي الله عنه بالحذر من الحارث وقتله إذا ظهرت منه بوادر الخيانة .

ووصلت تلك السرية إلى " الكديد " وقت الغروب ، وانطلق جندب بن مكيث رضي الله عنه يستطلع المكان ، فرآه أحد المشركين وظن أنه إحدى الحيوانات ـ فرماه بسهم ، فلم يتحرك رضي الله عنه حتى لا يكشف أمر أصحابه ، ونزع السهم من جسده ، فرماه المشرك بسهم آخر فأصاب منكبه ، ولكنه رضي الله عنه احتمل ذلك كله ، حتى قال المشرك لمن كان معه : " والله لقد خالطه سهماي ، ولو كان دابة لتحرك " ، فتركه ومضى .

وعندما اشتدت ظلمة الليل أغار المسلمون على أعدائهم ، فقتلوا خلقا كثيرا وغنموا منهم ، ثم عادوا ليأخذوا الحارث بن مالك الليثي وحارسه ، وفي تلك الأثناء انطلقت صرخات الاستغاثة ، وامتلأ المكان بقوات عظيمة لا قبل للمسلمين بها ، واشتدت المطاردة بين الفريقين ، وعندما اجتاز المسلمون بطن الوادي أرسل الله سيلا عظيما قطع الطريق على المشركين فلم يتمكنوا من اللحاق بهم ، وعادت السرية مكللة بالنصر إلى المدينة سالمة غانمة ، والقصة رواها الإمام أحمد في مسنده .

لقد جاءت تلك الأحداث لتجني ثمار الحاضر وتحمل بشائر المستقبل ، فالغارة التي قام بها المسلمون أسهمت في بسط هيبتهم وتوطيد مكانتهم عند القبائل العربية ، وإسلام قائدين عظيمين من أمثال عمرو بن العاص و خالد بن الوليد رضي الله عنهما كان مكسبا عظيما للمسلمين خصوصا بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فكان لهما الأثر البالغ في حركة الفتوحات واتساع رقعة الدولة الإسلامية بعد ذلك .

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة