ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة

0 1804

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( قيل لبني إسرائيل : { ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة } ( البقرة : 58 ) ، فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم ، وقالوا : حبة في شعرة ) متفق عليه .

معاني المفردات

حطة : أي احطط عنا خطايانا

بدلوا : التبديل هو التغيير

أستاههم : أدبارهم

تفاصيل القصة

عجيب أمر أمة بني إسرائيل ، فكم أنعم الله عليهم من النعم المتتالية ، فأنجاهم من العذاب المهين ، وحماهم من استباحة دمائهم وأموالهم ، وأغرق خصمهم اللدود ( فرعون وجنوده ) في لجة البحر ، وأمدهم بالأرزاق والأقوات ، ومكن لهم في الأرض ، ونصرهم على أعدائهم ، وأورثهم أرضهم وديارهم ، ثم إذا بهم يقابلون الإحسان بالإساءة ، والنعم بالجحود ، والصفح والغفران ، بالتمادي والطغيان .

وما القصة التي بين أيدينا إلا مثال حي على حقيقة هؤلاء القوم ، فهي صفحة سوداء من سجلاتهم القذرة ، ذكرها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تحذيرا من أخطارهم وبيانا لحقيقتهم .

ولنرجع إلى الوراء قليلا حتى نفهم ملابسات هذه القصة ، فبعد نجاة قوم موسى عليه السلام من فرعون ، أمرهم الله بدخول الأرض المقدسة ووعدهم بالنصر ، فامتنعوا من الدخول وردوا قائلين : { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } ( المائدة : 24 ) ، فباؤوا بغضب من الله ، وعوقبوا بالتشريد والضياع مدة أربعين سنة .

وبعد مرور فترة العذاب ، وخروجهم من التيه ، أمر الله نبيه يوشع بن نون عليه السلام باستئناف القتال لفتح الأراضي المقدسة وهزيمة أهلها ، فجمع يوشع عليه السلام من تبقى من قومه وقاتل بهم أربعة أيام ، حتى تحقق لهم النصر ، ومن الله عليهم بالفتح .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، أوحى الله إلى نبيه يوشع عليه السلام بدخول الأرض المقدسة من بابها دخول الفاتحين المتواضعين لله ، الشاكرين له على نعمه وأفضاله ، الخاضعين له في ساعة النصر والاستعلاء .

كما جاء الأمر الإلهي لقوم يوشع عليه السلام أن يدخلوا المدينة سجدا لله ، مستغفرين له على ما كان منهم من الذنوب ، نادمين على امتناعهم من القتال في المعركة الأولى – في عهد موسى عليه السلام - ، مع وعد إلهي بالإحسان ، والإنعام بإباحة خيرات تلك البقاع ، قال الله تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين } ( البقرة : 58 ) ، وقال تعالى : { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين } ( الأعراف : 161 ) .

 لكن قوم السوء خالفوا ما أمروا به من القول والفعل ، وكانت استجابتهم لما طلب منهم على صورة توحي بدناءة أخلاقهم وقلة حيائهم وفساد باطنهم ، فبدلا من السجود لله إذا بهم يدخلون المدينة زحفا على أدبارهم ، وبدلا من قول (حطة) كما أمرهم الله إذا بهم يقولوا : ( حبة في شعرة ) ، وهذا غاية السوء والاستخفاف بمقام الله تعالى .

ولم يجنوا من هذه الفعلة القبيحة والقول الشنيع سوى أن استوجبوا غضب الله ونقمته ، فأنزل عليهم عذابا من السماء جزاء لهم على فسقهم وضلالهم ، عدا ما ينتظرهم يوم القيامة من نكال الجحيم .

وقفات مع القصة

أهم ما يشار إليه هنا ، وهو المحور الذي تدور حوله القصة ، بيان عظم وزر من يبدل كلام الله ويستخف بمقامه ، ويقابل أوامره بالسخرية والاستهزاء ، وفرق بين من يعصي الله عز وجل وهو مقر بذنبه ، مستشعر لقبيح جرمه ، وبين من يجاهر بالمعصية عتوا وطغيانا ، واستعلاء وغطرسة .

وفي قوله الله تعالى : { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا} ( البقرة : 58 ) دلالة على أن تلك المعصية لم تصدر من الجميع ، بل كان في القوم أناس صالحون ، لم يشملهم العذاب لقيامهم بواجبهم من إنكار المنكر ، قال تعالى : { ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } ( الأعراف : 159 ) .

وفيما يتعلق بنوع العذاب الذي عوقبوا به فقد اختلف العلماء في تقديره ، فقال بعضهم : الغضب من الله ، وقال آخرون : هو الطاعون ، واستدلوا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن هذا الوجع – يعني الطاعون - رجز أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم ) رواه مسلم ، ولا دلالة واضحة للنصوص والآثار على تعيين المقصود ، ومهما كان نوع العذاب فلا شك أنه كان شديدا يتناسب مع عظم الجرم الذي قاموا به .

وتدل القصة على ما يجب أن يكون عليه سلوك الفاتحين من التواضع لله وعدم الاستعلاء والاستكبار ، كما هو شأن نبينا – صلى الله عليه وسلم – عندما دخل مكة خافضا رأسه حتى إن ذقنه يكاد أن يمس راحلته .

وسياق القصة يدل على أن ما أبيح لقوم يوشع عليه السلام من الغنيمة كان بعض خيرات المدينة من الطعام والمأوى ، وإلا فقد جاء في حديث آخر أن ما غنموه في المعركة من سلاح وعتاد لم يكن في أيديهم ، بل أرسل الله له نارا من السماء فأحرقته ،  ثم أحل لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – من الغنائم ما لم يحل لأحد قبلهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ( ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ) رواه مسلم .

 وأخيرا فأمة اليهود تاريخها واحد ، قديمه كحديثه ، ووسطه كطرفيه ، سلسلة لا تنتهي من أنواع التمرد والعصيان ، نسأل الله تعالى أن يجنبنا شرهم ، ويقينا مكرهم .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة