لا غنى بي عن بركتك

4 2685

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه : يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟، قال : بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك ) راوه البخاري .

وفي رواية أخرى : ( .. خر عليه رجل جراد من ذهب ) رواه البخاري .

وفي رواية الإمام أحمد : ( فقيل : يا أيوب ، ألم يكفك ما أعطيناك ؟، قال : أي رب، ومن يستغني عن فضلك ؟ ) .

معاني المفردات

بينا أيوب : بينما أيوب

فخر عليه: سقط عليه

جراد من ذهب: الجراد هو الحشرة المعروفة، ومفرده جرادة

رجل جراد من ذهب : الرجل هنا بمعنى الأعداد الكثيرة من الجراد، وليس المقصود بها الرجل المعروفة .

يحتثي في ثوبه: الاحتثاء ما حمله الإنسان بكفيه، والمعنى أنه كان يأخذ ويرمي في ثوبه .

تفاصيل القصة

رحلة أيوب عليه السلام الطويلة مع البلاء قصة معروفة لدى كثير من المسلمين، بينها الله في كتابه، وأشير إليها في عدد من المواضع في السنة النبوية، حيث استطاع بعون من الله أن يجتاز أنواعا من البلاء في الأهل والمال، والنفس والبدن، فعوضه الله عن ذلك كله ؛ رحمة منه وذكرى للعابدين .

لكن حديثنا هنا عن جانب آخر من حياة هذا النبي الكريم، إنه الحديث عن مرحلة ما بعد البلاء والتضييق، والشدة والكرب، وبشكل أكثر تحديدا : عن موقف ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث صحيح، يبرز فيه فضل الله الواسع على الأنبياء وإكرامه لهم .

ففي أحد الأيام، وبينما كان سيدنا أيوب عليه السلام يغتسل لوحده، متجردا من ثيابه، وفي محل مأمون عن الأنظار، إذا بأعداد كبيرة من الجراد تسقط عليه من السماء، غير أن لون ذلك الجراد لم يكن باهت اللون كما هو معهود، بل كان أصفر اللون، غالي الثمن، يبرق تحت أشعة الشمس، لأنه من الذهب الخالص الباهظ الثمن، القليل منه كفيل بنقل الفقير المعدم إلى مصاف الأغنياء المقتدرين .

ولما رأى أيوب عليه السلام منظر الجراد وهو ينهال عليه من فوقه، جعل يلتقطه ويضعه في ثيابه، وفي هذه الأثناء ناداه ذو الجلال من عليائه قائلا : ( يا أيوب ، ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ ) ، فأجابه أيوب عليه السلام إجابة المعترف بإنعام الله عليه وإحسانه إليه بعد طول البلاء ومرارة العناء : ( بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك ) ، فالحال إذن أنه عليه السلام أراد الاستكثار من الحلال والاستمتاع بطيبات الحياة، بما يتوافق مع الطبيعة البشرية ويتلاءم معها .

  وقفات مع القصة

أعظم الدروس التي نستلهمها من هذه القصة أنه لا غنى لأحد عن بركة الله تعالى وإحسانه على عباده، وأن تحصيل ذلك أمر مشروع عند الخلائق كلها حتى الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( وبارك لي فيما أعطيت ) رواه أحمد .

وأن حب المتاع الدنيوي قضية مركوزة في النفوس كما قال عزوجل : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } ( آل عمران : 14 ) .

ومثل هذا التجاوب مع الفطرة البشرية ليس عيبا في حد ذاته ولا حرج فيه، كما أنه لا يتنافى مع مبادئ العبودية ولوازمها، ولذلك توالت الآيات في التنبيه على خيرات الأرض وإباحة السعي في تحصيلها، نجد ذلك في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ( البقرة : 172 )، وقوله تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } ( الملك : 15 )، إلى غير ذلك من الآيات .  

والضابط في المسألة أن يستخدم المرء ماله في الأمور المشروعة والمباحة وألا يشغله عن طاعة الله وعبادته، وأفضل من ذلك أن يستعين به على أمور معاده، وهو ما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام حيث إن الرزق الذي تحصل لأيوب لم يشغله عن الشكر الواجب لتلك النعم بالقول والعمل .

كما يدل الحديث على جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، وذلك مستفاد من قول أيوب عليه السلام : ( بلى وعزتك ) كما في رواية البخاري .

وتبقى في القصة فائدة فقهية استنطبها العلماء وذكروها في شروحهم، وهي جواز الاغتسال عريانا إذا كان الإنسان بعيدا عن أعين الناس ؛ لأن :" العري في محل مأمون عن نظر الغير بمنزلة الستر " .

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة